كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)

الذِّكْرِ بِعَدَدٍ كَبِيرٍ أَوْ مِقْدَارٍ عَظِيمٍ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الإِْرْشَادِ إِلَى ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَمِنْهَا حَدِيثُ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَمَا أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَال: مَا زِلْتُ عَلَى الْحَال الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَال: لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ (1) .
وَنَحْوُ مَا وَرَدَ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلاَل وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ (2) . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى (3) .
__________
(1) حديث جويرية: " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها " أخرجه مسلم (4 / 2090 - ط الحلبي) .
(2) حديث: " ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك " أخرجه ابن ماجه (2 / 1249 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2 / 261 - ط دار الجنان) : " هذا إسناد فيه مقال، وقدامة بن إبراهيم ذكره ابن حبان في الثقات، وصدقة ابن بشير لم أر من جرحه ولا من وثقه، وبقية رجال الإسناد ثقات ".
(3) حديث: " الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا " أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (ص 289 - ط مؤسسة الرسالة) من حديث أنس، وصححه ابن حبان (الإحسان 2 / 104 - ط دار الكتب العلمية) .
قَال الأَْبِيُّ: يَدُل الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ الْجَامِعَ يَحْصُل بِهِ مِنَ الثَّوَابِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ (1) . ثُمَّ قَال: وَالأَْظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنِ الْكَثْرَةِ لاَ أَنَّهَا مِثْل كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَدَدِ؛ لأَِنَّ كَلِمَاتِهِ تَعَالَى غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ.
وَقَال الشَّوْكَانِيُّ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَال: عَدَدَ كَذَا، وَزِنَةَ كَذَا كُتِبَ لَهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَفَضْل اللَّهِ يَمُنُّ بِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ. قَال: وَلاَ يُتَّجَهُ هُنَا أَنْ يُقَال إِنَّ مَشَقَّةَ مَنْ قَال هَذَا أَخَفُّ مِنْ مَشَقَّةِ مَنْ كَرَّرَ اللَّفْظَ كَثِيرًا، فَإِنَّ هَذَا بَابٌ مَنَحَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِبَادِ اللَّهِ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ، وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ، تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ، وَتَكْثِيرًا لأُِجُورِهِمْ دُونَ تَعَبٍ وَلاَ نَصَبٍ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَنَقَل ابْنُ عَلاَّنَ عَنِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ النُّوَيْرِيِّ قَوْلَهُ: قَدْ يَكُونُ الْعَمَل الْقَلِيل أَفْضَل مِنَ الْعَمَل الْكَثِيرِ كَقَصْرِ الصَّلاَةِ فِي السَّفَرِ أَفْضَل مِنَ الإِْتْمَامِ، لَكِنْ لَوْ نَذَرَ إِنْسَانٌ أَنْ يَقُول: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فَقَال سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ
__________
(1) حديث: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك " أخرجه أبو داود (2 / 163 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث عائشة، وجود إسناده النووي في الأذكار (ص 596 - ط دار ابن كثير) .

الصفحة 260