كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)
الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ سَوَاءٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ.
أَمَّا النِّسْيَانُ فَهُوَ مِنْ عَوَارِضِ الأَْهْلِيَّةِ، وَهُوَ عَدَمُ الاِسْتِحْضَارِ وَقْتَ الْحَاجَةِ. قَال شَارِحُ مُسَلَّمِ الثُّبُوتِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: النِّسْيَانُ عُذْرٌ فِي حَقِّ الإِْثْمِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ. وَأَمَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ مَعَ مُذَكِّرٍ فَلاَ عُذْرَ، كَأَكْل النَّاسِي فِي الصَّلاَةِ مُطْلَقًا إِذْ هَيْئَاتُهَا مُذَكِّرَةٌ، وَصَيْدِ الْمُحْرِمِ نَاسِيًا إِذِ الإِْحْرَامُ مُذَكِّرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُذَكِّرٌ فَيَكُونُ عُذْرًا، كَالأَْكْل فِي نَهَارِ رَمَضَانَ نَاسِيًا، وَسَلاَمِ الْمُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الأُْولَى نَاسِيًا وَتَرْكِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الذَّبْحِ نَاسِيًا (1) .
وَيُرْجَعُ لِمَعْرِفَةِ تَفْصِيل ذَلِكَ وَالْخِلاَفِ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ: (نِسْيَان) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلتَّذَكُّرِ:
55 - الذِّكْرُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا يَطْرَأُ فِي الْغَالِبِ عَلَى الإِْنْسَانِ دُونَ إِرَادَتِهِ، لَكِنْ قَدْ يَتَكَلَّفُ التَّذَكُّرَ فَيَتَذَكَّرُ، وَمِنْ هُنَا فَقَدْ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصَالِحِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِتَذَكُّرِ نِعَمِهِ لِيُشْكَرَ وَلِيَعْرِفَ الإِْنْسَانُ حَقَّ رَبِّهِ تَعَالَى مِنْ تَوْحِيدِهِ وَإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ، كَمَا قَال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَل مِنْ
__________
(1) فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 1 / 170.
خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ} (1) وَأَمَرَ تَعَالَى بِذِكْرِ الآْخِرَةِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْهَوْل وَالْحِسَابِ وَنَعِيمِ الْجَنَّةِ وَعَذَابِ النَّارِ وَمَصَارِعِ الظَّالِمِينَ مِمَّنْ سَاقَ ذِكْرَهُمْ فِي كِتَابِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ. (2)
وَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآْخِرَةَ (3) . وَمِنْ هُنَا ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِكُل إِنْسَانٍ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا ذِكْرُ الْمَوْتِ، بِأَنْ يَجْعَلَهُ نَصْبَ عَيْنَيْهِ؛ لأَِنَّهُ أَزْجَرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَأَدْعَى لِلطَّاعَةِ (4) .
رَابِعًا: الذِّكْرُ بِمَعْنَى الصِّيتِ وَالشَّرَفِ:
56 - امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (5) وَامْتَنَّ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ بِقَوْلِهِ: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ
__________
(1) سورة فاطر / 3.
(2) حديث: " أكثروا ذكر هاذم اللذات " أخرجه الترمذي (4 / 553 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة. وقال: " هذا حديث حسن غريب ".
(3) حديث: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور " أخرجه مسلم (3 / 1654 - ط الحلبي) من حديث بريدة، وقوله: (فإنها تذكر الآخرة) أخرجه أحمد (5 / 355 - ط الحلبي) .
(4) نهاية المحتاج 2 / 422، والمغني 2 / 448.
(5) سورة الشرح / 4.
الصفحة 263
342