كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)

تَعْقِلُونَ} (1) وَقَال: {بَل أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} (2) قَال الْقُرْطُبِيُّ: الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا الشَّرَفُ (3) . وَأَخْبَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ دَعَا اللَّهَ تَعَالَى فَقَال: {وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآْخِرِينَ} (4) قَال مُجَاهِدٌ: هُوَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، وَقَال ابْنُ عَطِيَّةَ: هُوَ الثَّنَاءُ وَخُلْدُ الْمَكَانَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَدْ أَجَابَ اللَّهُ دَعَوْتَهُ فَكُل أُمَّةٍ تَتَمَسَّكُ بِهِ وَتُعَظِّمُهُ.
قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَمِنْ هُنَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُل أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ صَالِحًا، وَيُرَى فِي عَمَل الصَّالِحِينَ إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَل لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (5) أَيْ حُبًّا فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَثَنَاءً حَسَنًا (6) . فَنَبَّهَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآْخِرِينَ} (7) عَلَى اسْتِحْبَابِ اكْتِسَابِ مَا يُورِثُ الذِّكْرَ الْجَمِيل.
قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَال الْمُحَقِّقُونَ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي الْعَمَل الصَّالِحِ الَّذِي يُكْسِبُ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ.
__________
(1) سورة الأنبياء / 10.
(2) سورة المؤمنون / 71.
(3) تفسير القرطبي 11 / 273.
(4) سورة الشعراء / 84.
(5) سورة مريم / 96.
(6) تفسير القرطبي 13 / 113.
(7) سورة الشعراء / 84.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُثْنِي عَلَى مَنْ تَمَيَّزَ بِفِعْلٍ أَوْ فَضْلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَيَحْمَدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانُوا يُظْهِرُونَ سُرُورَهُمْ بِذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: إِنِّي أَكِل قَوْمًا إِلَى مَا جَعَل اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْغِنَى مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَال عَمْرٌو: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمْرَ النَّعَمِ. (1) وَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُلِئَ عَمَّارٌ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهِ (2) .
لَكِنْ عَلَى الْمُؤْمِنِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يَتَجَنَّبَ أُمُورًا:
الأَْوَّل: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ الْحَمْدَ وَالثَّنَاءَ بِمَا لَيْسَ حَقًّا وَمَا لَمْ يَفْعَل، بِأَنْ يُرَائِيَ فَيُظْهِرَ لِلنَّاسِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنَ الْفَضَائِل، أَوْ يَدَّعِيَ بِأَفْعَال خَيْرٍ لَمْ يَفْعَلْهَا، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} (3) وَقَوْلُهُ: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا
__________
(1) حديث: " إني أكل قومًا إلى ما جعل الله في قلوبهم. . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 250 - ط السلفية) من حديث عمرو بن تغلب.
(2) حديث: " ملئ عمار إيمانًا إلى مشاشه " أخرجه النسائي (8 / 111 - ط المكتبة التجارية) ، والحاكم (3 / 392 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. والمشاش رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها. ومفرده مشاشة وهو ما أشرف من عظم المنكب. (لسان العرب والنهاية لابن الأثير) .
(3) سورة آل عمران / 188.

الصفحة 264