كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)
لاَ تَفْعَلُونَ} (1) نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا يَقُولُونَ جَاهَدْنَا وَأَبْلَيْنَا وَلَمْ يُجَاهِدُوا، وَقِيل فِي تَفْسِيرِهَا غَيْرُ ذَلِكَ (2) .
الثَّانِي: أَنْ لاَ يَكُونَ قَصْدُهُ مِنَ الْعَمَل مُجَرَّدَ الثَّنَاءِ وَالذِّكْرِ الْجَمِيل، بَل يَعْمَل الْعَمَل الصَّالِحَ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَسُرُّهُ أَنْ يَظْهَرَ لِيُقْتَدَى بِهِ فِيهِ، أَوْ يَعْلَمَ مَكَانَهُ مِنَ الْفَضْل سُرُورًا بِالْخَيْرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، قَال ابْنُ رُشْدٍ: سُئِل مَالِكٌ عَنِ الرَّجُل يُحِبُّ أَنْ يَلْقَى فِي طَرِيقِهِ الْمَجْدَ، وَيَكْرَهُ أَنْ يَلْقَى فِي طَرِيقِهِ السُّوءَ. فَأَمَّا رَبِيعَةُ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَال: إِذَا كَانَ أَوَّل أَمْرِهِ ذَلِكَ وَأَصْلُهُ لِلَّهِ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} (3) .
وَقَال تَعَالَى: {وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآْخِرِينَ} (4) قَال مَالِكٌ: فَأَيُّ شَيْءٍ هَذَا إِلاَّ هَذَا؟ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ يَكُونُ فِي الْقَلْبِ لاَ يَمْلِكُهُ، هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَمْنَعَهُ الْعَمَل (5) .
وَقَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّ مَنْ صَلَّى صَلاَةً لِيَرَاهَا النَّاسُ وَيَرَوْهُ فِيهَا فَيَشْهَدُوا لَهُ بِالإِْيمَانِ، أَوْ أَرَادَ طَلَبَ الْمَنْزِلَةِ وَالظُّهُورِ لِقَبُول الشَّهَادَةِ وَجَوَازِ الإِْمَامَةِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِالرِّيَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا الرِّيَاءُ الْمَعْصِيَةُ: أَنْ يُظْهِرَهَا صَيْدًا لِلنَّاسِ وَطَرِيقًا
__________
(1) سورة الصف / 3.
(2) تفسير القرطبي 18 / 78.
(3) سورة طه / 39.
(4) سورة الشعراء / 84.
(5) المقدمات لابن رشد 1 / 30.
لِلأَْكْل (1) . وَهَذَا كَمَا أَنَّ مَنْ طَلَبَ بِالْعِبَادَةِ فَضْل اللَّهِ تَعَالَى فِي الآْخِرَةِ بِدُخُول جَنَّتِهِ وَالْخَلاَصِ مِنْ نَارِهِ لاَ يَكُونُ فِعْلُهُ مُنَافِيًا لِلإِْخْلاَصِ.
فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ مِنَ الْعَمَل الصَّالِحِ مُجَرَّدَ الْعُلُوِّ فِي الأَْرْضِ وَتَحْصِيل الْمَصَالِحِ الْعَاجِلَةِ وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الأَْوَّل وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ ذَلِكَ مُحْبِطًا لأَِجْرِهِ، بَل كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَفِيهِ فَيَقُول اللَّهُ تَعَالَى: وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأََنْ يُقَال جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيل، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ (2) وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا فَعَل الْعِبَادَةَ لِطَلَبِ الْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِ النَّاسِ فَهُوَ الرِّيَاءُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ (3) .
قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: فَرْقٌ بَيْنَ مَنْ يَكُونُ الدِّينُ مَقْصُودَهُ وَالدُّنْيَا وَسِيلَةً، وَبَيْنَ مَنْ تَكُونُ الدُّنْيَا مَقْصُودَهُ وَالدِّينُ وَسِيلَةً، وَالأَْشْبَهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ لَهُ فِي الآْخِرَةِ خَلاَقٌ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ (4) .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (نِيَّة) .
__________
(1) تفسير القرطبي 5 / 423، وانظر الموافقات 2 / 402.
(2) حديث: " ولكنك قاتلت لأن يقال جريء " أخرجه مسلم (3 / 1514 - ط الحلبي) ، من حديث أبي هريرة.
(3) تفسير القرطبي 5 / 181، وفتح الباري 11 / 136، والداء والدواء لابن القيم ص 191، والفروق للقرافي 3 / 12.
(4) مجموع الفتاوى 26 / 20.
الصفحة 265
342