كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)

عَلِمَ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ؛ لأَِنَّ الْغَرَضَ نَفْعُهُ بِهَا فِي قَضَاءِ دُيُونِهِ.
وَلاَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ أَمْ لاَ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُتَصَوَّرُ لَهُ الْمِلْكُ، فَأَثَرُ الْمَوْتِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ يَقْتَصِرُ عَلَى عَدَمِ مُطَالَبَةِ الْمَيِّتِ بِالْحُقُوقِ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ وَرَثَتُهُ بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ لأَِصْحَابِهَا. (1)

الرَّأْيُ الثَّانِي:
8 - وَهُوَ رَأْيُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ لاَ يُنْهِي الذِّمَّةَ بَل يُضْعِفُهَا، وَعَلَى هَذَا الرَّأْيِ فَإِنَّ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ تَبْقَى بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لِتَصْفِيَةِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ فِي حَال الْحَيَاةِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَيِّتَ يُمْكِنُ أَنْ يَكْتَسِبَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِلْكًا جَدِيدًا كَمَا لَوْ نَصَبَ قَبْل الْمَوْتِ شَبَكَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ، كَمَا أَنَّ الْمَيِّتَ يَلْتَزِمُ بِالدُّيُونِ الَّتِي تَسَبَّبَ بِهَا قَبْل مَوْتِهِ كَرَدِّ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ عَلَيْهِ، وَالْتِزَامِهِ بِالثَّمَنِ، وَضَمَانِ مَا وَقَعَ فِي حُفْرَةٍ حَفَرَهَا فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ.
لَكِنْ لاَ تَصِحُّ كَفَالَةُ دَيْنٍ عَلَى مَيِّتٍ مُفْلِسٍ
__________
(1) مواهب الجليل مع التاج والإكليل (6 / 368 ط. النجاح) ، والدسوقي (4 / 426 - ط الفكر) ، وجواهر الإكليل (2 / 317 ط -. المعرفة) ، وروضة الطالبين (6 / 116 ط. المكتب الإسلامي) ، ومغني المحتاج (3 / 40 ط -. إحياء التراث) ، وحاشية القليوبي (3 / 157 ط -. الحلبي) ، والمغني مع الشرح الكبير (6 / 436 ط -. الأولى) .
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأَِنَّ الدَّيْنَ عِبَارَةٌ عَنِ الْفِعْل، وَالْمَيِّتَ عَاجِزٌ عَنِ الْفِعْل، فَكَانَتْ هَذِهِ كَفَالَةً بِدَيْنٍ سَاقِطٍ فَلاَ تَصِحُّ، كَمَا لَوْ كَفَل إِنْسَانًا بِدَيْنٍ وَلاَ دَيْنَ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَاتَ مَلِيئًا فَهُوَ قَادِرٌ بِنَائِبِهِ، وَكَذَا إِذَا مَاتَ عَنْ كَفِيلٍ؛ لأَِنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ.
وَأَمَّا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ فَتَصِحُّ كَفَالَةُ دَيْنِ الْمَيِّتِ؛ لأَِنَّ الْمَوْتَ لاَ يُنَافِي بَقَاءَ الدَّيْنِ؛ لأَِنَّهُ مَالٌ حُكْمِيٌّ فَلاَ يَفْتَقِرُ بَقَاؤُهُ إِلَى الْقُدْرَةِ، وَلِهَذَا بَقِيَ إِذَا مَاتَ مَلِيئًا حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَكَذَا بَقِيَتِ الْكَفَالَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُفْلِسًا، وَإِذَا مَاتَ عَنِ الْكَفِيل تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْهُ بِالدَّيْنِ، فَكَذَا يَصِحُّ الإِْبْرَاءُ عَنْهُ وَالتَّبَرُّعُ.
وَمِثْل الْكَفَالَةِ فِي هَذَا الْوَصِيَّةُ، فَإِنَّهَا لاَ تَصِحُّ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ أَمْ لاَ. خِلاَفًا لأَِبِي يُوسُفَ فَلَوْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لِلْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ؛ لأَِنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلاَ يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، لَكِنْ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ فَإِنَّ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ فَلاَ تَصِحُّ؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَيِّتِ لَغْوٌ. (1)

الرَّأْيُ الثَّالِثُ:
9 - وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَابِلَةِ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ الذِّمَّةَ تَنْتَهِي
__________
(1) بدائع الصنائع (6 / 6 ط -. الجمالية) ، فتح القدير (8 / 448 - 449 ط. الأميرية) ، ابن عابدين (5 / 431 - المصرية) .

الصفحة 278