كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)
الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا (1) وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِفْسَادِ النُّقُودِ وَالإِْضْرَارِ بِذَوِي الْحُقُوقِ وَغَلاَءِ الأَْسْعَارِ وَانْقِطَاعِ الأَْجْلاَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَغُشَّ بِهَا النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. فَلَوْ قَدَرَ أَنْ ضَرَبَهَا الإِْمَامُ وَكَانَ مِعْيَارُهَا مَعْلُومًا صَحَّتِ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مُعَيَّنَةً وَفِي الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ الْحَال إِذَا لَمْ يَعْلَمْ عِيَارَهَا وَكَانَتْ رَائِجَةً لأَِنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا. وَقَالُوا أَيْضًا: " يُكْرَهُ لِغَيْرِ الإِْمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَوْ خَالِصَةً؛ لأَِنَّهُ مِنْ شَأْنِ الإِْمَامِ، فَيَكُونُ فِي ضَرْبِهِ لِغَيْرِهِ افْتِيَاتًا عَلَيْهِ؛ وَلأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ فِيهِ الْغِشُّ.
قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: " لاَ يَصْلُحُ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ إِلاَّ فِي دَارِ الضَّرْبِ وَبِإِذْنِ السُّلْطَانِ؛ لأَِنَّ النَّاسَ إِنْ رُخِّصَ لَهُمْ رَكِبُوا الْعَظَائِمَ ". (2)
وَمَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً يُكْرَهُ لَهُ إِمْسَاكُهَا بَل يَسْبِكُهَا وَيُصَفِّيهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلاَ يُكْرَهُ إِمْسَاكُهَا.
وَقَدْ نَصَّ الإِْمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى كَرَاهَةِ إِمْسَاكِ الدَّرَاهِمِ أَوِ الدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ يَضْرِبُهُ وَرَثَتُهُ إِذَا مَاتَ، وَيَضْرِبُهُ غَيْرُهُمْ فِي حَال حَيَاتِهِ كَذَلِكَ، عَلَّلَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. (3)
__________
(1) حديث: " من غشنا فليس منا " أخرجه مسلم (1 / 99 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(2) كشاف القناع (2 / 271) .
(3) المجموع (6 / 10 - 11) ، وكشاف القناع (2 / 269 - 271) .
إِسْلاَفُ الذَّهَبِ فِي الذَّهَبِ:
28 - لاَ يَجُوزُ إِسْلاَفُ الذَّهَبِ فِي الذَّهَبِ؛ لأَِنَّهُ مِنْ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِالرِّبَوِيِّ فَلاَ يُقْبَل التَّأْجِيل. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (سَلَم) . (1)
الْقِرَاضُ بِالذَّهَبِ الْمَغْشُوشِ:
29 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى دَنَانِيرَ خَالِصَةٍ. وَقَال النَّوَوِيُّ: بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ، وَالْحُلِيِّ، وَالتِّبْرِ، هَل تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِهَا أَمْ لاَ؟ (2)
فَيَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْقِرَاضُ بِالذَّهَبِ الْمَغْشُوشِ عَلَى الأَْصَحِّ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِهِ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ الْغِشُّ النِّصْفَ فَأَقَل جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ لَمْ يَجُزِ الْمُقَارَضَةُ بِهِ.
وَقَال الْبَاجِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ هَذَا الْخِلاَفَ فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الذَّهَبُ الْمَغْشُوشُ سِكَّةً يَتَعَامَل بِهَا النَّاسُ، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْقِرَاضُ
__________
(1) بدائع الصنائع (7 / 3173) ، والدسوقي (3 / 221) ، والقوانين الفقهية (ص 265) ، والمغني مع الشرح الكبير (4 / 338) .
(2) ابن عابدين (3 / 340، 4 / 484) ، والحطاب (5 / 358 - 359) ، ومغني المحتاج (2 / 310) ، وكشاف القناع (3 / 498، 506) .
الصفحة 287
342