كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)
وَنَتِيجَةً لِذَلِكَ يُمْكِنُ الْقَوْل أَنَّ الدَّوْلَةَ تَقُومُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَرْكَانٍ وَهِيَ: الدَّارُ، وَالرَّعِيَّةُ، وَالْمَنَعَةُ (1) (السِّيَادَةُ) .
2 - وَلَقَدْ بَحَثَ الْفُقَهَاءُ أَرْكَانَ الدَّوْلَةِ عِنْدَ بَحْثِهِمْ عَنْ أَحْكَامِ دَارِ الإِْسْلاَمِ، يَتَّضِحُ هَذَا مِنْ تَعْرِيفَاتِهِمْ لِدَارِ الإِْسْلاَمِ:
التَّعْرِيفُ الأَْوَّل: " كُل دَارٍ ظَهَرَتْ فِيهَا دَعْوَةُ الإِْسْلاَمِ مِنْ أَهْلِهِ بِلاَ خَفِيرٍ، وَلاَ مُجِيرٍ، وَلاَ بَذْل جِزْيَةٍ، وَقَدْ نَفَذَ فِيهَا حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ إِنْ كَانَ فِيهِمْ ذِمِّيٌّ، وَلَمْ يَقْهَرْ أَهْل الْبِدْعَةِ فِيهَا أَهْل السُّنَّةِ (2) ".
وَالتَّعْرِيفُ الثَّانِي:
" كُل أَرْضٍ سَكَنَهَا مُسْلِمُونَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ، أَوْ تَظْهَرُ فِيهَا أَحْكَامُ الإِْسْلاَمِ (3) ".
فَالدَّارُ هِيَ الْبِلاَدُ الإِْسْلاَمِيَّةُ وَمَا تَشْمَلُهُ مِنْ أَقَالِيمَ دَاخِلَةٍ تَحْتَ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ.
__________
(1) لفظ المنعة أو عبارة أمن الرعية بأمن المسلمين، يستخدمها الفقهاء بما يقابل لفظ السيادة. لما يحصل بذلك من حفظ حقوق الدولة من الانتقاص. المواق 6 / 277، فتح القدير 4 / 414، البدائع 7 / 130، نهاية المحتاج 7 / 382.
(2) أصول الدين ص27 أبو منصور عبد القادر البغدادي.
(3) حاشية البجيرمي 4 / 220، نهاية المحتاج 8 / 184.
وَالرَّعِيَّةُ هُمُ الْمُقِيمُونَ فِي حُدُودِ الدَّوْلَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْل الذِّمَّةِ. وَالسِّيَادَةُ هِيَ ظُهُورُ حُكْمِ الإِْسْلاَمِ وَنَفَاذُهُ. وَعَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ وَلِيِّ الأَْمْرِ، وَعَدَمُ الاِفْتِيَاتِ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى أَيِّ وِلاَيَةٍ مِنْ وِلاَيَاتِ الدَّوْلَةِ؛ لأَِنَّ الاِفْتِيَاتَ عَلَيْهَا افْتِيَاتٌ عَلَى الإِْمَامِ. وَيَكُونُ الاِفْتِيَاتُ بِالسَّبْقِ بِفِعْل شَيْءٍ دُونَ اسْتِئْذَانِ مَنْ يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ، وَالاِفْتِيَاتُ عَلَى الإِْمَامِ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ، فَإِذَا أَمَّنَ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ كَافِرًا دُونَ إِذْنِ الإِْمَامِ، وَكَانَ فِي تَأْمِينِهِ مَفْسَدَةٌ، فَإِنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَنْبِذَ هَذَا الأَْمَانَ، وَلَهُ أَنْ يُعَزِّرَ مَنِ افْتَاتَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا بَاشَرَ الْمُسْتَحِقُّ فَأَقَامَ الْحَدَّ أَوِ الْقِصَاصَ دُونَ إِذْنِ الإِْمَامِ عَزَّرَهُ الإِْمَامُ لاِفْتِيَاتِهِ عَلَيْهِ. وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِ: " أَمَان " " وَافْتِيَات " " وَدَارُ الإِْسْلاَمِ ".
3 - وَتَتَأَلَّفُ الدَّوْلَةُ مِنْ مَجْمُوعَةٍ مِنَ النُّظُمِ وَالْوِلاَيَاتِ بِحَيْثُ تُؤَدِّي كُل وِلاَيَةٍ مِنْهَا وَظِيفَةً خَاصَّةً مِنْ وَظَائِفِ الدَّوْلَةِ، وَتَعْمَل مُجْتَمِعَةً لِتَحْقِيقِ مَقْصِدٍ عَامٍّ، وَهُوَ رِعَايَةُ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ.
يَقُول الْمَاوَرْدِيُّ: (الإِْمَامَةُ مَوْضُوعَةٌ لِخِلاَفَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا) (1) وَالإِْمَامُ هُوَ مَنْ تَصْدُرُ عَنْهُ جَمِيعُ الْوِلاَيَاتِ فِي الدَّوْلَةِ.
__________
(1) الأحكام السلطانية ص 5.
الصفحة 37