كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى (1) } ثُمَّ قَال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ (2) } ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَلاَ عَفَا رَجُلٌ عَنْ مَظْلِمَةٍ إِلاَّ زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا (3) .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ مَجَّانًا فَهُوَ أَفْضَل.
وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ فِي الْحَالاَتِ التَّالِيَةِ:

1 - عَفْوِ جَمِيعِ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيل:
20 - إِذَا عَفَا جَمِيعُ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيل وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ صَغِيرٌ وَلاَ مَجْنُونٌ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ، وَتَسْقُطُ الدِّيَةُ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ؛ لأَِنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ هُوَ الْقِصَاصُ، وَهُوَ الْوَاجِبُ عَيْنًا أَيْ مُتَعَيِّنًا عِنْدَهُمْ، فَلَيْسَ لِلأَْوْلِيَاءِ أَنْ يُجْبِرُوا الْجَانِيَ عَلَى دَفْعِ الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا لَهُمْ أَنْ يَعْفُوا مَجَّانًا أَوْ يَقْتَصُّوا
__________
(1) سورة البقرة / 178.
(2) سورة البقرة / 178.
(3) حديث: " ما نقصت صدقة من مال. . . " أخرجه مسلم (4 / 2001 - ط الحلبي) ، وأحمد (2 / 235 - ط الميمنية) من حديث أبي هريرة، واللفظ لأحمد
مِنْهُ، فَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ بِالْعَفْوِ فَلاَ بَدِيل لَهُ مِنَ الدِّيَةِ، إِلاَّ عَنْ طَرِيقِ التَّرَاضِي وَالصُّلْحِ بَيْنَ الأَْوْلِيَاءِ وَالْجَانِي، وَإِذَا حَصَل الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ جَازَ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَل مِنْهَا بِرِضَا الْجَانِي؛ لأَِنَّ بَدَل الصُّلْحِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لِلأَْوْلِيَاءِ أَنْ يَعْفُوا عَنِ الْقَوَدِ عَلَى الدِّيَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْجَانِي.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلدِّيَةِ بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ فَلاَ تَجِبُ الدِّيَةُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْل الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ؛ لأَِنَّ الْقَتْل لَمْ يُوجِبِ الدِّيَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْل، وَالْعَفْوُ إِسْقَاطُ شَيْءٍ ثَابِتٍ، لاَ إِثْبَاتُ مَعْدُومٍ.
وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ عِنْدَهُمْ: تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لأَِنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا، فَإِذَا تُرِكَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْقَوَدُ وَجَبَ الآْخَرُ أَيِ الدِّيَةُ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُخَيَّرُ الأَْوْلِيَاءُ بَيْنَ الْقَوَدِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قُتِل لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُودَى وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ (2) . وَحَيْثُ إِنَّ الدِّيَةَ دُونَ الْقِصَاصِ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَنْتَقِل إِلَيْهَا وَلَوْ سَخِطَ الْجَانِي؛ لأَِنَّهَا أَقَل مِنْ حَقِّهِ،
__________
(1) البدائع للكاساني 7 / 247، والدسوقي مع الشرح الكبير للدردير 4 / 239، 240.
(2) حديث: " من قتل له قتيل فهو بخير النظرين " أخرجه البخاري (الفتح 12 / 205 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 989 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.

الصفحة 53