كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الدِّيَةُ مِنَ الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ؛ لِقَوْل عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (الدِّيَةُ عَشَرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ) ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا مَعَ أَنَّ الْمَقَادِيرَ لاَ تُعْرَفُ إِلاَّ سَمَاعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشَرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ
وَلأَِنَّ الدِّينَارَ مُقَوَّمٌ فِي الشَّرْعِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَمَا فِي الزَّكَاةِ، فَإِنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ مُقَدَّرٌ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَنِصَابَ الذَّهَبِ فِيهَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا.
قَال الزَّيْلَعِيُّ: يُحْمَل مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ، وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ، وَهَكَذَا كَانَتْ دَرَاهِمُهُمْ فِي زَمَانِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى زَمَانِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاسْتَوَيَا (1) . وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الاِخْتِلاَفَ فِي مِقْدَارِ الدِّيَةِ يَرْجِعُ إِلَى سِعْرِ صَرْفِ الدِّينَارِ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل الصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ أُصُول الدِّيَةِ خَمْسَةٌ: الإِْبِل
__________
(1) البدائع 7 / 254. وحديث: " قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم. . . " قال عنه الزيلعي: " غريب " كذا في نصب الراية (4 / 362 - ط المجلس العلمي) يعني أنه لا أصل له.
وَالذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَهَذَا قَوْل عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَزَادَ عَلَيْهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - الْحُلَل، فَتَكُونُ أُصُول الدِّيَةِ سِتَّةَ أَجْنَاسٍ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ عُمَرَ قَامَ خَطِيبًا فَقَال: أَلاَ إِنَّ الإِْبِل قَدْ غَلَتْ. . فَفَرَضَهَا عَلَى أَهْل الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْل الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَعَلَى أَهْل الْبَقَرِ مَائِتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْل الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْل الْحُلَل مِائَتَيْ حُلَّةٍ (1) .
وَعَلَى ذَلِكَ فَأَيُّ شَيْءٍ أَحْضَرَهُ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ مِنَ الْجَانِي أَوِ الْعَاقِلَةِ مِنْ هَذِهِ الأُْصُول لَزِمَ الْوَلِيَّ أَوِ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَخْذُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِغَيْرِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْل ذَلِكَ النَّوْعِ أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لأَِنَّهَا أُصُولٌ فِي قَضَاءِ الْوَاجِبِ يُجْزِئُ وَاحِدٌ مِنْهَا، فَكَانَتِ الْخِيَرَةُ إِلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَقَوْل طَاوُسٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ: إِنَّ الأَْصْل فِي الدِّيَةِ الإِْبِل لاَ غَيْرُ؛ لِقَوْلِهِ: أَلاَ إِنَّ قَتِيل الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنَ الإِْبِل (3) .
وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ دِيَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فَغَلَّظَ
__________
(1) المغني 7 / 759، والبدائع 7 / 253، 254.
(2) الزيلعي 6 / 27، والمغني 7 / 761.
(3) حديث: " ألا إن قتيل الخطأ ". تقدم فقرة / 15.

الصفحة 58