كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)
بِمِثْل دِيَةِ الْمُسْلِمِ؛ وَلأَِنَّ وُجُوبَ كَمَال الدِّيَةِ يَعْتَمِدُ عَلَى كَمَال حَال الْقَتْل فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهِيَ الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعِصْمَةُ وَقَدْ وُجِدَتْ، وَنُقِل عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لاَ دِيَةَ فِي الْمُسْتَأْمَنِ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: دِيَةُ كُلٍّ مِنَ الْيَهُودِيِّ أَوِ النَّصْرَانِيِّ إِذَا كَانَ لَهُ أَمَانٌ وَتَحِل مُنَاكَحَتُهُ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ نَفْسًا وَغَيْرَهَا، وَدِيَةُ الْوَثَنِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ إِذَا كَانَ لَهُمَا أَمَانٌ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَمِثْل الْمَجُوسِيِّ عَابِدُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالزِّنْدِيقُ مِمَّنْ لَهُ أَمَانٌ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَل دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ لاَ يُفْعَل بِلاَ تَوْقِيفٍ، فَأَمَّا غَيْرُ الْمَعْصُومِ فَدَمُهُ هَدَرٌ (2) .
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الذُّكُورِ، أَمَّا الإِْنَاثُ مِنَ الْكُفَّارِ اللَّوَاتِي لَهُمْ أَمَانٌ فَدِيَتُهُنَّ نِصْفُ دِيَةِ الذُّكُورِ مِنْهُمُ اتِّفَاقًا. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا، وَنَقَل ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُل (3) .
دِيَةُ الْجَنِينِ
33 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجِنَايَةِ
__________
(1) البدائع 7 / 254، 255، وحاشية ابن عابدين 5 / 369.
(2) المهذب 2 / 198، ومغني المحتاج 4 / 57.
(3) المغني 7 / 795.
الَّتِي تَرَتَّبَ عَلَيْهَا انْفِصَال الْجَنِينِ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا هُوَ غُرَّةٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ بِالضَّرْبِ أَمْ بِالتَّخْوِيفِ أَمِ الصِّيَاحِ أَمْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَمْ خَطَأً، وَلَوْ مِنَ الْحَامِل نَفْسِهَا أَوْ مِنْ زَوْجِهَا (1) . لِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُْخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى فِيهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ (2) .
وَالْغُرَّةُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَهِيَ خَمْسٌ مِنَ الإِْبِل أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا، وَلاَ تَخْتَلِفُ الْغُرَّةُ بِذُكُورَةِ الْجَنِينِ وَأُنُوثَتِهِ، فَهِيَ فِي كِلَيْهِمَا سَوَاءٌ (ر: غُرَّة) .
وَأَمَّا جَنِينُ الْكِتَابِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ مِمَّنْ لَهُنَّ أَمَانٌ إِذَا كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ فَفِيهِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ؛ لأَِنَّ جَنِينَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ مَضْمُونٌ بِعُشْرِ دِيَةِ أُمِّهِ فَكَذَلِكَ جَنِينُ الْكَافِرَةِ (3) .
وَهَذَا إِذَا أَلْقَتْهُ نَتِيجَةً لِلْجِنَايَةِ مَيِّتًا فِي حَيَاتِهَا (4) .
أَمَّا إِذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً ثُمَّ مَاتَ نَتِيجَةً
__________
(1) ابن عابدين 5 / 377، وحاشية الدسوقي مع الشرح الكبير للدردير 4 / 269، وأسنى المطالب 4 / 89، والمغني لابن قدامة 7 / 799 - 800.
(2) حديث أبي هريرة: " أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى " تقدم فقرة (15) .
(3) المغني 7 / 800.
(4) مغني المحتاج 4 / 103.
الصفحة 62