كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)
75 - وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ عَادَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ قَبْل أَنْ تَنْدَمِل جِرَاحُهُ، وَصَارَ الأَْمْرُ إِلَى الدِّيَةِ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ أَوْ كَوْنِ الْفِعْل خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لأَِنَّهُ قَاتِلٌ قَبْل اسْتِقْرَارِ الْجُرْحِ، فَدَخَل أَرْشُ الْجِرَاحَةِ فِي أَرْشِ النَّفْسِ، كَمَا لَوْ سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ.
وَقَال بَعْضُهُمْ: تَجِبُ دِيَةُ الأَْطْرَافِ الْمَقْطُوعَةِ وَدِيَةُ النَّفْسِ؛ لأَِنَّهُ لَمَّا قَطَعَ بِسِرَايَةِ الْجُرْحِ بِقَتْلِهِ صَارَ كَالْمُسْتَقِرِّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ (1) .
وَإِنْ قَطَعَ الْجَانِي بَعْضَ أَعْضَائِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَرِئَتِ الْجِرَاحُ، مِثْل إِنْ قَطَعَ الْجَانِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَبَرِئَتْ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ فَقَدِ اسْتَقَرَّ حُكْمُ الْقَطْعِ بِالْبُرْءِ وَلِوَلِيِّ الْقَتِيل الْخِيَارُ، إِنْ شَاءَ عَفَا وَأَخَذَ ثَلاَثَ دِيَاتٍ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَأَخَذَ دِيَتَيْنِ، دِيَةً لِلْيَدَيْنِ وَدِيَةً لِلرِّجْلَيْنِ؛ لأَِنَّ كُل جِنَايَةٍ مِنْ ذَلِكَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا، كَمَا قَال الْبُهُوتِيُّ (2) . وَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ لاَ تَدَاخُل بَعْدَ الاِنْدِمَال عِنْدَهُمْ لاَ فِي النَّفْسِ وَلاَ فِي الأَْعْضَاءِ.
مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ:
76 - الأَْصْل أَنَّ الدِّيَةَ إِذَا كَانَ مُوجِبُهَا الْفِعْل الْخَطَأَ أَوْ شِبْهَ الْعَمْدِ، وَلَمْ تَكُنْ أَقَل مِنَ الثُّلُثِ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، إِلاَّ دِيَةَ الْعَبْدِ أَوْ مَا وَجَبَ بِإِقْرَارِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوِ الصُّلْحِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {
__________
(1) المغني 7 / 185، 186، وكشاف القناع 5 / 539.
(2) كشاف القناع 5 / 540.
لاَ تَعْقِل الْعَوَاقِل عَمْدًا وَلاَ عَبْدًا وَلاَ صُلْحًا وَلاَ اعْتِرَافًا (1) .
وَيَشْتَرِكُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي تَحَمُّل دِيَةِ الْخَطَأِ الْجَانِي نَفْسُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ، حَيْثُ قَالُوا: لَيْسَ عَلَى الْجَانِي الْمُخْطِئِ شَيْءٌ مِنَ الدِّيَةِ (2) .
وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيل وَحِكْمَةُ تَحَمُّل الْعَاقِلَةِ دِيَةَ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل هَذِهِ الْمَسَائِل فِي مُصْطَلَحِ: (عَاقِلَة) .
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا وَسَقَطَ الْقِصَاصُ بِشُبْهَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، أَوْ ثَبَتَتْ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي أَوِ الصُّلْحِ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ فِي مَال الْجَانِي نَفْسِهِ؛ لأَِنَّهَا دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ، وَمِنْ وُجُوهِ التَّغْلِيظِ فِي الْعَمْدِ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي نَفْسِهِ كَمَا سَبَقَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي عَمْدِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ: فَقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) إِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا كَمَال الْقَصْدِ، فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِمَا كَشِبْهِ
__________
(1) حديث: " لا تعقل العواقل عمدًا ولا عبدًا ولا صلحًا ولا اعترافًا " أورده الزيلعي في نصب الراية (4 / 399 - ط المجلس العلمي) وقال: " غريب " يعني: لا أصل له.
(2) حاشية ابن عابدين 5 / 412، وحاشية القليوبي 4 / 156، وجواهر الإكليل 2 / 265
الصفحة 90