كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 21)
وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: لاَ يَرِثُ الدِّيَةَ إِلاَّ عَصَبَاتُ الْمَقْتُول الَّذِينَ يَعْقِلُونَ عَنْهُ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ لَمَّا بَلَغَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْرِيثُ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا (1) . فَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الضَّحَّاكِ الْكِلاَبِيِّ قَال: كَتَبَ إِلَيَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا أَشْيَمَ (2) .
وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لِلْمَقْتُول وَارِثٌ تُؤَدَّى دِيَتُهُ لِبَيْتِ الْمَال لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ، أَعْقِل عَنْهُ وَأَرِثُهُ (3) .
الْعَفْوُ عَنِ الدِّيَةِ:
83 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الدِّيَةَ تَسْقُطُ بِالْعَفْوِ عَنْهَا. فَإِذَا عَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَنْ دِيَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ مِنَ الْقَطْعِ وَإِتْلاَفِ الْمَعَانِي تَسْقُطُ دِيَتُهَا؛ لأَِنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ الَّتِي تَسْقُطُ بِعَفْوِ مَنْ لَهُ حَقُّ الْعَفْوِ، وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ هُوَ
__________
(1) المراجع السابقة، والمغني لابن قدامة 6 / 320، 321، وجواهر الإكليل 2 / 264
(2) حديث: " أنه ورث امرأة أشيم الضبابي " أخرجه أبو داود (3 / 339 - 340 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ونقل الزيلعي عن ابن القطان أنه أعله بالانقطاع بين عمر بن الخطاب والراوي عنه، وهو سعيد بن المسيب، كذا في نصب الراية للزيلعي (4 / 352 - ط المجلس العلمي)
(3) حديث: " أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه " سبق تخريجه ف / 78.
الْمُسْتَحِقُّ الْوَحِيدُ فِي دِيَةِ الأَْطْرَافِ وَالْمَعَانِي.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ دِيَةَ النَّفْسِ تَسْقُطُ بِعَفْوِ أَوْ إِبْرَاءِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا. وَإِذَا عَفَا أَوْ أَبْرَأَ بَعْضُهُمْ دُونَ الْبَعْضِ يَسْقُطُ حَقُّ مَنْ عَفَا وَتَبْقَى حِصَّةُ الآْخَرِينَ فِي مَال الْجَانِي إِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا، وَعَلَى الْعَاقِلَةِ إِنْ كَانَتْ خَطَأً.
وَاتَّفَقُوا فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَهُ الْعَفْوُ عَنْ دَمِ نَفْسِهِ بَعْدَ مَا وَجَبَ لَهُ الدَّمُ مِثْل أَنْ يَعْفُوَ بَعْدَ إِنْفَاذِ مَقَاتِلِهِ عَمْدًا كَانَ الْقَتْل أَوْ خَطَأً.
وَإِذَا صَارَ الأَْمْرُ إِلَى الدِّيَةِ يَكُونُ الْعَفْوُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ فَيَنْعَقِدُ فِي الثُّلُثِ (1) .
أَمَّا إِذَا عَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَنْ دِيَةِ قَطْعِ عُضْوٍ، فَسَرَتِ الْجِنَايَةُ إِلَى عُضْوٍ آخَرَ أَوْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهَل يَشْمَل الْعَفْوُ دِيَةَ النَّفْسِ أَوِ الْعُضْوِ الَّذِي سَرَتْ إِلَيْهِ الْجِنَايَةُ؟ فَفِيهِ مَا يَأْتِي مِنَ التَّفْصِيل:
أ - إِذَا عَفَا عَنِ الْقَطْعِ بِلَفْظِ الْجِنَايَةِ بِأَنْ قَال: عَفَوْتُ عَنْ جِنَايَتِكَ، أَوْ قَال: عَفَوْتُ عَنِ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، شَمَل الْعَفْوُ مَا يَحْدُثُ مِنَ الْقَطْعِ مِنْ إِتْلاَفِ عُضْوٍ آخَرَ أَوِ الْمَوْتِ.
وَإِنْ عَفَا عَنِ الْقَطْعِ مُطْلَقًا بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوَدٍ وَلاَ دِيَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الْجِنَايَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ فَهَذَا الْعَفْوُ يَخُصُّ الْقَطْعَ، وَلاَ يَتَنَاوَل مَا يَسْرِي مِنْهُ مِنْ إِتْلاَفِ أَعْضَاءٍ
__________
(1) فتح القدير مع الهداية 8 / 284، 285، والبدائع 7 / 249، ومواهب الجليل مع المواق 5 / 86، 87 و 6 / 255، وجواهر الإكليل 2 / 276، وحاشية الجمل على المنهج 5 / 54، 56، والمغني 7 / 748، وما بعدها
الصفحة 94