كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)
فَقَدَّمُوا خَبَرَهَا عَلَى خَبَرِهِ لِكَوْنِهَا أَعْرَفَ بِحَال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيَدُل عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا تَقْرِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا (1) عَلَى تَرْتِيبِ الأَْدِلَّةِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّرْجِيحِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ نَظِيرُهُ. وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ رَاجِحًا فَالْعُقَلاَءُ يُوجِبُونَ بِعُقُولِهِمُ الْعَمَل بِالرَّاجِحِ، وَالأَْصْل تَنْزِيل التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْزِلَةَ التَّصَرُّفَاتِ الْعُرْفِيَّةِ، وَلِهَذَا قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ (2) .
وَكَذَلِكَ إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُ الْفَرْعِ أَشْبَهَ بِأَحَدِ الأَْصْلَيْنِ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ بِالإِْجْمَاعِ، فَقَدْ فُهِمَ مِنْ أُصُول الشَّرِيعَةِ اعْتِبَارُ مَا هُوَ عَادَةٌ لِلنَّاسِ فِي تِجَارَتِهِمْ، وَسُلُوكِهِمُ الطُّرُقَ، فَإِنَّهُمْ عِنْدَ تَعَارُضِ الأَْسْبَابِ الْمَخُوفَةِ يُرَجِّحُونَ وَيَمِيلُونَ إِلَى الأَْسْلَمِ (3) .
__________
(1) " تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن قاضيًا ": أخرجه الترمذي (3 / 607 - ط الحلبي) وقال: " هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل ".
(2) حديث: " ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن " ورد موقوفًا على ابن مسعود، أخرجه أحمد في المسند (1 / 379 - ط الميمنية) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1 / 177 - 178 - ط القدسي) : " رجاله موثقون ".
(3) الإحكام في أصول الأحكام 4 / 240، والمستصفى 2 / 394، وجمع الجوامع 2 / 404.
الطُّرُقُ الْمُوَصِّلَةُ إِلَى مَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ مِنَ الأَْدِلَّةِ:
6 - وَضَعَ الأُْصُولِيُّونَ جُمْلَةً مِنْ قَوَاعِدِ التَّرْجِيحِ لِمَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ مِنَ الأَْدِلَّةِ الْمُتَعَارِضَةِ، وَقُسِّمَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الأَْوَّل: قَوَاعِدُ التَّرْجِيحِ بَيْنَ خَبَرَيْنِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: قَوَاعِدُ التَّرْجِيحِ بَيْنَ قِيَاسَيْنِ.
وَالْمُرَجِّحَاتُ لاَ تَنْحَصِرُ لِكَثْرَتِهَا، وَضَابِطُهَا غَلَبَةُ الظَّنِّ وَقُوَّتُهُ.
7 - الْقِسْمُ الأَْوَّل: قَوَاعِدُ التَّرْجِيحِ بَيْنَ مَنْقُولَيْنِ وَتَتَنَوَّعُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ:
النَّوْعُ الأَْوَّل: مَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّنَدِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَتْنِ وَدَلاَلَتِهِ عَلَى الْحُكْمِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرٍ خَارِجٍ.
8 - النَّوْعُ الأَْوَّل: هُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّنَدِ وَهُوَ عِدَّةُ أُمُورٍ، مِنْهَا:
1 - أَنْ تَكُونَ رُوَاةُ أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ رُوَاةِ الآْخَرِ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ رُجْحَانُهُ لِقِلَّةِ احْتِمَال الْغَلَطِ.
2 - أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَالآْخَرُ مِنْ صِغَارِهِمْ.
3 - أَنْ يَتَقَدَّمَ إِسْلاَمُ أَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ عَلَى الآْخَرِ.
4 - يُرَجَّحُ الْمُتَوَاتِرُ عَلَى الآْحَادِ.
5 - يُرَجَّحُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيمَا لاَ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، حَيْثُ إِنَّ
الصفحة 101