كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

الرَّجْعَةِ؛ لأَِنَّ الإِْنْسَانَ قَدْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَنْدَمُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا أَشَارَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَل جَلاَلُهُ بِقَوْلِهِ: {لاَ تَدْرِي لَعَل اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (1) فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّدَارُكِ، فَلَوْ لَمْ تَثْبُتِ الرَّجْعَةُ لاَ يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ، لِمَا عَسَى أَنْ لاَ تُوَافِقَهُ الْمَرْأَةُ فِي تَجْدِيدِ النِّكَاحِ وَلاَ يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَنْهَا فَيَقَعُ فِي الزِّنَا (2) " لِذَا شُرِعَتِ الرَّجْعَةُ لِلإِْصْلاَحِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهَذِهِ حِكْمَةٌ جَلِيلَةٌ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ.
3 - وَقَدْ ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الرَّجْعَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ ذَلِكَ:
- أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحًا} (3) وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} (4) .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا (5) ، فَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ
__________
(1) سورة الطلاق / 1.
(2) بدائع الصنائع 3 / 181.
(3) سورة البقرة / 228.
(4) سورة البقرة / 231.
(5) حديث عمر بن الخطاب أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها. أخرجه أبو داود (2 / 712 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، والحاكم (2 / 197 - ط دائرة المعارف العثمانية) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
حَفْصَةَ تَطْلِيقَةً، فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَال: يَا مُحَمَّدُ، طَلَّقْتَ حَفْصَةَ وَهِيَ صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ؟ فَرَاجِعْهَا (1) .
وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ وَالرَّجُل يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَا شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ طَلَّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ، حَتَّى قَال رَجُلٌ لاِمْرَأَتِهِ: وَاللَّهِ لاَ أُطَلِّقُكِ فَتَبِينِي مِنِّي وَلاَ آوِيكِ أَبَدًا، قَالَتْ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَال: أُطَلِّقُكِ فَكُلَّمَا هَمَّتْ عِدَّتُكِ أَنْ تَنْقَضِيَ رَاجَعْتُكِ، فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَسَكَتَتْ عَائِشَةُ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَل الْقُرْآنُ: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (2)
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاسْتَأْنَفَ النَّاسُ الطَّلاَقَ مُسْتَقْبَلاً، مَنْ كَانَ طَلَّقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَلَّقَ (3) .
__________
(1) حديث أنس: " أن النبي (طلق حفصة. . . . " أخرجه الحاكم (4 / 15 - ط دائرة المعارف العثمانية) ، وضعف الذهبي أحد رواته في ميزان الاعتدال 1 / 482 - ط الحلبي.
(2) سورة البقرة / 229.
(3) حديث عائشة: " كان الناس والرجل يطلق امرأته " أخرجه الترمذي (3 / 488 - ط الحلبي) عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ثم أسنده مرة أخرى عن هشام بن عروة عن أبيه دون ذكر عائشة، وقال: " هذا أصح يعني مرسلاً ".

الصفحة 105