كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

15 - وَالرَّجْعَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ تَصِحُّ بِالْفِعْل مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ بِوَطْءٍ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْفِعْل مَصْحُوبًا بِنِيَّةِ الزَّوْجِ فِي الرَّجْعَةِ أَوْ لاَ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي الطَّلاَقِ الرَّجْعِيِّ تُعْتَبَرُ أَجْنَبِيَّةً عَنِ الزَّوْجِ فَلاَ يَحِل لَهُ وَطْؤُهَا، وَالرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ تُعْتَبَرُ إِعَادَةً لِعَقْدِ الزَّوَاجِ، وَكَمَا أَنَّ عَقْدَ الزَّوَاجِ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِالْقَوْل الدَّال عَلَيْهِ، فَكَذَا الرَّجْعَةُ لاَ تَصِحُّ إِلاَّ بِالْقَوْل الدَّال عَلَيْهَا أَيْضًا، فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً وَطِئَ امْرَأَةً قَبْل عَقْدِ النِّكَاحِ فَوَطْؤُهُ حَرَامٌ، فَكَذَا الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ لَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ فِي الْعِدَّةِ فَوَطْؤُهُ هَذَا حَرَامٌ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي الأُْمِّ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ أَنَّ الرَّجْعَةَ حَقٌّ لِلأَْزْوَاجِ، وَأَنَّ الرَّدَّ ثَابِتٌ لَهُمْ دُونَ رِضَى الْمَرْأَةِ قَال: وَالرَّدُّ يَكُونُ بِالْكَلاَمِ دُونَ الْفِعْل مِنْ جِمَاعٍ وَغَيْرِهِ؛ لأَِنَّهُ رَدٌّ بِلاَ كَلاَمٍ، فَلاَ تَثْبُتُ رَجْعَةٌ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَتِهِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِالرَّجْعَةِ، كَمَا لاَ يَكُونُ نِكَاحٌ وَلاَ طَلاَقٌ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِمَا، فَإِذَا تَكَلَّمَ بِهَا فِي الْعِدَّةِ ثَبَتَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ (1) . "
16 - وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ بَيْنَ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، فَإِنَّ الرَّجْعَةَ عِنْدَهُمْ تَصِحُّ بِالْوَطْءِ وَلاَ تَصِحُّ بِمُقَدِّمَاتِهِ وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ ذَلِكَ:

أَوَّلاً: صِحَّةُ الرَّجْعَةِ بِالْوَطْءِ:
17 - تَصِحُّ الرَّجْعَةُ عِنْدَهُمْ بِالْوَطْءِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ
__________
(1) الأم 6 / 244، وروضة الطالبين للنووي 8 / 217 ط - المكتب الإسلامي.
نَوَى الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِهَا وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ (1) .
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّ فَتْرَةَ الْعِدَّةِ تُؤَدِّي إِلَى بَيْنُونَةِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّجْعَةِ، فَإِذَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَوَطِئَهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَقَدْ عَادَتْ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ هَذَا مِثْل حُكْمِ الإِْيلاَءِ، فَإِذَا آلَى الزَّوْجُ مِنْ زَوْجَتِهِ ثُمَّ وَطِئَهَا فَقَدِ ارْتَفَعَ حُكْمُ الإِْيلاَءِ، فَكَذَا الْحَال فِي الرَّجْعَةِ إِذَا وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ فَقَدْ عَادَتْ إِلَيْهِ. .
ثُمَّ ذَكَرُوا دَلِيلاً آخَرَ يُؤَكِّدُ صِحَّةَ الرَّجْعَةِ بِالْوَطْءِ، جَاءَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَلَى الْمُقْنِعِ " أَنَّ الطَّلاَقَ سَبَبٌ لِزَوَال الْمِلْكِ وَمَعَهُ خِيَارٌ، فَتَصَرُّفُ الْمَالِكِ بِالْوَطْءِ يَمْنَعُ عَمَلَهُ كَمَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّوْكِيل فِي طَلاَقِهَا (2) "، هَذَا مَا اسْتَدَل بِهِ الْحَنَابِلَةُ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ.

ثَانِيًا: مُقَدِّمَاتُ الْوَطْءِ:
18 - اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ، فَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ أَحْمَدَ عَدَمُ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى مَوْضِعِ الْجِمَاعِ وَاللَّمْسِ وَالتَّقْبِيل بِشَهْوَةٍ، وَحُجَّةُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا يَأْتِي:
1 - أَنَّ هَذِهِ الأَْشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ إِذَا حَدَثَتْ لاَ
__________
(1) كشاف القناع 5 / 343.
(2) الشرح الكبير لابن قدامة المقدسي مع المغني 8 / 475.

الصفحة 112