كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

عَلَى مَنْعِهِ، فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ قَدْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَال فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ.
قَال النَّوَوِيُّ وَالأَْبِيُّ فِي شَرْحِهِمَا لِلْحَدِيثِ: هَذَا يَدُل عَلَى اجْتِهَادِ الأَْئِمَّةِ فِي النَّوَازِل وَرَدِّهَا إِلَى الأُْصُول، وَمُنَاظَرَةِ أَهْل الْعِلْمِ فِيهَا، وَرُجُوعِ مَنْ ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ إِلَى قَوْل صَاحِبِهِ. (1)

ج - اقْتِضَاءُ الْمَصْلَحَةِ:
9 - قَدْ يَكُونُ الرُّجُوعُ مِنْ أَجْل الْمَصْلَحَةِ، (2) وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَل مَنْزِلاً لِلْحَرْبِ فِي بَدْرٍ فَقِيل لَهُ: إِنْ كَانَ بِوَحْيٍ فَسَمْعًا وَطَاعَةً، وَإِنْ كَانَ بِاجْتِهَادٍ وَرَأْيٍ فَهُوَ مَنْزِل مَكِيدَةٍ، فَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَل بِاجْتِهَادٍ وَرَأْيٍ، فَأُشِيرَ عَلَيْهِ بِمَكَانٍ آخَرَ فِيهِ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ فَفَعَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَرَجَعَ إِلَى رَأْيِ الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ (3) .
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 1 / 210 - 213، والأبي 1 / 109
(2) المستصفى 2 / 356، وصحيح مسلم بشرح الأبي 1 / 114، 125، وشرح النووي 1 / 225، 241، ومختصر تفسير ابن كثير 2 / 91، والأحكام للآمدي 4 / 169 - 170 ط المكتب الإسلامي.
(3) حديث الحباب بن المنذر أورده ابن هشام في السيرة (1 / 620 - ط الحلبي) نقلاً عن ابن إسحاق، وفيه جهالة الواسطة بين ابن إسحاق والحباب، ووصله الحاكم في المستدرك (3 / 426 - 427 - ط دائرة المعارف العثمانية) وقال الذهبي: " حديث منكر ".
قَال ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ: حُدِّثْتُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، أَنَّهُمْ ذَكَرُوا: أَنَّ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ قَال: يَا رَسُول اللَّهِ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِل، أَمَنْزِلاً أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ، وَلاَ نَتَأَخَّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَال بَل هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ، فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلٍ، فَانْهَضْ بِالنَّاسِ حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ، ثُمَّ نُغَوِّرَ مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْقُلُبِ، ثُمَّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمَّ نُقَاتِل الْقَوْمَ، فَنَشْرَبُ وَلاَ يَشْرَبُونَ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ. فَنَهَضَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ، فَسَارَ حَتَّى إِذَا أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ نَزَل عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْقُلُبِ فَغُوِّرَتْ، وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الَّذِي نَزَل عَلَيْهِ، فَمُلِئَ مَاءً، ثُمَّ قَذَفُوا فِيهِ الآْنِيَةَ.
وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ الأَْزْوَادِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ حِينَ نَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ حَتَّى هَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَجْمَعَ مَا بَقِيَ مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ فَيَدْعُو عَلَيْهَا فَفَعَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ حَتَّى مَلأََ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ (1) . قَال الْعُلَمَاءُ: لاَ خِلاَفَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَيَرْجِعَ إِلَى
__________
(1) حديث عمر في " جمع الأزواد. . . " أخرجه مسلم (1 / 56 - 57 - ط الحلبي) .

الصفحة 131