كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)
قَضَى فِي الْمُشَرَّكَةِ بِإِسْقَاطِ الإِْخْوَةِ مِنَ الأَْبَوَيْنِ وَتَوْرِيثِ الإِْخْوَةِ لأُِمٍّ، ثُمَّ شَرَّكَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ بَعْدُ، وَلَمَّا سُئِل قَال: تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذِهِ عَلَى مَا نَقْضِي، فَأَخَذَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِلاَ الاِجْتِهَادَيْنِ بِمَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْقَضَاءُ الأَْوَّل مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الثَّانِي، وَلَمْ يُنْقَضِ الأَْوَّل بِالثَّانِي، فَجَرَى أَئِمَّةُ الإِْسْلاَمِ بَعْدَهُ عَلَى هَذَيْنِ الأَْصْلَيْنِ. (1)
وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي جَوَازِ رُجُوعِ الْقَاضِي عَمَّا قَضَى بِهِ إِذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ.
قَال ابْنُ حَبِيبٍ: أَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ فِي الْقَاضِي يَقْضِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ يَرَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ فَيُرِيدُ الرُّجُوعَ عَنْهُ إِلَى مَا رَأَى، فَذَلِكَ لَهُ مَا كَانَ عَلَى وِلاَيَتِهِ الَّتِي فِيهَا قَضَى بِذَلِكَ الْقَضَاءِ الَّذِي يُرِيدُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، وَقَال ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لاَ يَجُوزُ فَسْخُهُ، وَصَوَّبَهُ أَئِمَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ قِيَاسًا عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ؛ وَلأَِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ نَقْضُ هَذَا لِرَأْيِهِ الثَّانِي لَكَانَ لَهُ فَسْخُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَلاَ يَقِفُ عَلَى حَدٍّ، وَلاَ يَثِقُ أَحَدٌ بِمَا قُضِيَ لَهُ بِهِ وَذَلِكَ ضَرَرٌ شَدِيدٌ، وَقِيل: إِنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِمَالٍ فَسَخَهُ، وَإِنْ كَانَ ثُبُوتَ
__________
(1) البدائع 7 / 5، والمغني 9 / 56 - 57، وإعلام الموقعين 1 / 110 - 111، 4 / 232، والوجيز 2 / 241، والأحكام للآمدي 4 / 203.
نِكَاحٍ أَوْ فَسْخَهُ لَمْ يَنْقُضْهُ. قَال ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ: وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ الرُّجُوعِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لأَِنَّهُ رُجُوعٌ إِلَى الصَّوَابِ.
لَكِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ ذَكَرَ أَنَّ الْخِلاَفَ إِنَّمَا هُوَ إِذَا حَكَمَ بِذَلِكَ وَهُوَ يَرَاهُ بِاجْتِهَادِهِ، أَمَّا إِنْ قَضَى بِذَلِكَ ذَاهِلاً أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً فَلاَ يَنْبَغِي الْخِلاَفُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنْهُ إِلَى مَا رَأَى إِذْ قَدْ تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ.
وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ قَال بِهِ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ اسْتِنَادًا إِلَى مَا جَاءَ فِي كِتَابِ عُمَرَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. (1)
هـ - تَغَيُّرُ اجْتِهَادِ الْمُفْتِي:
12 - مِنْ أَسْبَابِ الرُّجُوعِ كَذَلِكَ تَغَيُّرُ اجْتِهَادِ الْمُفْتِي، فَإِذَا أَفْتَى الْمُجْتَهِدُ بِرَأْيٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنْ رَأْيِهِ الأَْوَّل وَالإِْفْتَاءُ بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ثَانِيًا.
وَقَدْ كَانَ لأَِئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ أَقْوَالٌ رَجَعُوا عَنْهَا لَمَّا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُمْ وَصَارَتْ لَهُمْ أَقْوَالٌ أُخْرَى هِيَ الَّتِي تَغَيَّرَ إِلَيْهَا اجْتِهَادُهُمْ. فَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنِ الْقَوْل بِأَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَل مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ لَمَّا حَجَّ وَعَرَفَ مَشَقَّتَهُ. (2)
__________
(1) منح الجليل 4 / 193، والتبصرة بهامش فتح العلي 1 / 71 - 72، والمغني 9 / 56
(2) ابن عابدين 1 / 49
الصفحة 133