كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

رَخَّصَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الآْيَةِ لِلْمُكْرَهِ إِظْهَارَ الْكُفْرِ - إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ التَّلَفَ - فَلَهُ أَنْ يُظْهِرَ الْكُفْرَ بِشَيْءٍ مِنْ مَظَاهِرِهِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا كُفْرٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ رِفْقًا بِعِبَادِهِ، وَاعْتِبَارًا لِلأَْشْيَاءِ بِغَايَاتِهَا وَمَقَاصِدِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَال - بَعْدَ أَنْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا -: يَا رَسُول اللَّهِ، مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ فَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ قَال: مُطْمَئِنًّا بِالإِْيمَانِ. فَقَال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِنْ عَادُوا فَعُدْ (1) .

أَقْسَامُ الرُّخْصَةِ:
8 - تَنْقَسِمُ الرُّخْصَةُ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ أَهَمُّهَا:
أ - بِاعْتِبَارِ حُكْمِهَا: الَّذِينَ قَسَّمُوا الرُّخَصَ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ هُمُ الشَّافِعِيَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا حَيْثُ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّهَا تَنْقَسِمُ - بِالاِعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ - إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: (2)
__________
(1) حديث: " إن عادوا فعد. . . . " أخرجه ابن جرير في تفسيره (14 / 182 - ط الحلبي) وفي سنده إرسال.
(2) المحلي على جمع الجوامع 1 / 122 بحاشية البناني، غاية الوصول ص 18، نهاية السول في شرح منهاج الوصول للبيضاوي 1 / 121، 122، والأشباه والنظائر ص 82 للسيوطي.
الْقِسْمُ الأَْوَّل:
9 - رُخَصٌ وَاجِبَةٌ: مِثْل أَكْل الْمُضْطَرِّ مِمَّا حُرِّمَ مِنَ الْمَأْكُولاَتِ، وَشُرْبِهِ مِمَّا حُرِّمَ مِنَ الْمَشْرُوبَاتِ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْل الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ، وَقِيل: إِنَّ أَكْل الْمُضْطَرِّ أَوْ شُرْبَهُ مِمَّا ذُكِرَ جَائِزٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَوْل بِالْوُجُوبِ يَتَنَافَى مَعَ التَّرْخِيصِ، وَلِذَلِكَ نَقَلُوا عَنْ إِلْكِيَا الْهِرَّاسِيِّ الشَّافِعِيِّ الْقَوْل بِأَنَّ أَكْل الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ عَزِيمَةٌ لاَ رُخْصَةٌ، كَالْفِطْرِ لِلْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ هُرُوبًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي التَّنَاقُضِ. (1)
وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الأُْصُول إِلَى خِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي حُرْمَةِ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْل الْمَيْتَةِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَمَا أُهِل بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَنَحْوِهَا فِي حَال الضَّرُورَةِ - بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ الأَْكْل وَاجِبًا أَوْ جَائِزًا -: هَل تُرْفَعُ تِلْكَ الْحُرْمَةُ فِي هَذِهِ الْحَال فَيَصِيرُ أَكْلُهَا مُبَاحًا، أَوْ تَبْقَى وَيَرْتَفِعُ الإِْثْمُ فَقَطْ؟ .
بَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّهَا لاَ تَحِل، وَلَكِنْ يُرَخَّصُ فِي الْفِعْل إِبْقَاءً عَلَى حَيَاةِ الشَّخْصِ - كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الإِْكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ تَرْتَفِعُ فِي
__________
(1) انظر كلام الهراسي ورد ابن دقيق العيد في سلم الوصول إلى نهاية السول (حاشية الشيخ بخيت على الإسنوي 1 / 121) .

الصفحة 155