كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

الرُّؤْيَةُ الْمُعْتَبَرَةُ:
9 - الْمُعْتَبَرُ فِي رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ الأَْصْلِيِّ مِنْ مَحَل الْعَقْدِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلاَفِ الْمَقَاصِدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللاَّزِمِ رُؤْيَةُ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ، بَل قَدْ تَكْفِي رُؤْيَةُ الْبَعْضِ الَّذِي يَدُل عَلَى بَقِيَّتِهِ وَعَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ؛ لأَِنَّ رُؤْيَةَ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ قَدْ تَكُونُ مُتَعَذِّرَةً كَمَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ صُبْرَةً فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ رُؤْيَةُ كُل حَبَّةٍ مِنْهَا، وَلِذَلِكَ يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ، فَإِذَا رَآهُ جَعَل غَيْرَ الْمَرْئِيِّ تَبَعًا لِلْمَرْئِيِّ.
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً. فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ الَّذِي يَدُل عَلَى الْمَقْصُودِ، فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَثَلاً فَرَسًا أَوْ بَغْلاً أَوْ حِمَارًا فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ الْوَجْهِ وَالْمُؤَخِّرَةِ؛ لأَِنَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَل كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُضْوٌ مَقْصُودٌ فِي هَذَا الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بَقَرَةً حَلُوبًا، فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَنْظُرُ إِلَى الضَّرْعِ، وَهَكَذَا.
وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةً، فَإِنْ كَانَتْ آحَادُهُ لاَ تَتَفَاوَتُ، وَهُوَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمِثْلِيِّ، وَمِنْ عَلاَمَتِهِ أَنْ يُعْرَضَ بِالنَّمُوذَجِ كَالْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ.
وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ أَثْوَابًا مُتَعَدِّدَةً وَهِيَ مِنْ نَمَطٍ وَاحِدٍ لاَ تَخْتَلِفُ عَادَةً بِحَيْثُ يُبَاعُ كُل وَاحِدٍ مِنْهَا
بِثَمَنٍ مُتَّحِدٍ فَقَدْ اسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ يَكْفِي رُؤْيَةُ ثَوْبٍ مِنْهَا؛ لأَِنَّهَا تُبَاعُ بِالنَّمُوذَجِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ، وَيَلْحَقُ بِمَا لاَ تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ كَالْجَوْزِ، فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ عَنْ رُؤْيَةِ الْكُل؛ لأَِنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ صَغِيرِ الْجَوْزِ وَكَبِيرِهِ مُتَقَارِبٌ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ عُرْفًا وَعَادَةً، وَهُوَ الأَْصَحُّ، خِلاَفًا لِلْكَرْخِيِّ حَيْثُ أَلْحَقَهُ بِالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ لاِخْتِلاَفِهَا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَجَعَل لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ.
وَإِنْ كَانَتْ آحَادُ الْمَبِيعِ تَتَفَاوَتُ وَهُوَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْقِيَمِيِّ وَيُسَمَّى الْعَدَدِيَّاتَ الْمُتَفَاوِتَةَ، وَلاَ يُبَاعُ بِالنَّمُوذَجِ كَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ الْمُتَفَاوِتَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلاَ بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ مَا يَدُل عَلَى الْمَقْصُودِ مِنَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَوْ رُؤْيَةِ ذَلِكَ مِنْ كُل وَاحِدٍ إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الأَْشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَعَدَدٍ مِنَ الدَّوَابِّ.
هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ فِي الْجُمْلَةِ (1) ، مَعَ اخْتِلاَفِ الْمَذَاهِبِ - وَكَذَا فُقَهَاءُ الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ - فِي تَحْدِيدِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ لِيُكْتَفَى بِرُؤْيَتِهِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) .
__________
(1) ابن عابدين 4 / 65، 66 - 67، والبدائع 5 / 293، 294، والهداية وشروحها 5 / 536، 537، نشر دار إحياء التراث، والدسوقي 3 / 24، والحطاب والمواق بهامشه 4 / 293، 294، ومغني المحتاج 2 / 19، 20، وكشاف القناع 3 / 163، والمغني 3 / 581.

الصفحة 19