كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

يَتَكَلَّفُ فِي عَدِّ أَيَّامِ شَعْبَانَ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ (1) . وَقَدِ اهْتَمَّ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرُؤْيَةِ هِلاَل رَمَضَانَ فَكَانُوا يَتَرَاءَوْنَهُ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَال: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلاَل فَأَخْبَرْتُ بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ (2) .
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَتَرَاءَيْنَا الْهِلاَل، وَكُنْتُ رَجُلاً حَدِيدَ الْبَصَرِ فَرَأَيْتُهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَآهُ غَيْرِي. قَال: فَجَعَلْتُ أَقُول لِعُمَرَ: أَمَا تَرَاهُ؟ فَجَعَل لاَ يَرَاهُ. قَال: يَقُول عُمَرُ: سَأَرَاهُ وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي (3) .
وَقَدْ أَوْجَبَ الْحَنَفِيَّةُ كِفَايَةَ الْتِمَاسِ رُؤْيَةِ هِلاَل رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلاَثِينَ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنْ رَأَوْهُ صَامُوا، وَإِلاَّ أَكْمَلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صَامُوا (4) ؛ لأَِنَّ
__________
(1) عون المعبود 6 / 444.
(2) حديث ابن عمر: " تراءى الناس الهلال " أخرجه أبو داود (2 / 756 - 757 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، والحاكم (1 / 423 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(3) أثر أنس بن مالك: " كنا مع عمر بين مكة والمدينة " أخرجه مسلم (4 / 2202 - ط الحلبي) .
(4) الشرنبلالي: حسن بن عمار، مراقي الفلاح (ص 107 المطبعة العلمية 1315) ، رسائل ابن عابدين 1 / 222
مَا لاَ يَحْصُل الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُسْتَحَبُّ تَرَائِي الْهِلاَل احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ وَحِذَارًا مِنْ الاِخْتِلاَفِ (1) .
وَلَمْ نَجِدْ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ تَصْرِيحًا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

طُرُقُ إِثْبَاتِ الْهِلاَل:

أَوَّلاً: الرُّؤْيَةُ بِالْعَيْنِ:
أ - الرُّؤْيَةُ مِنَ الْجَمِّ الْغَفِيرِ الَّذِينَ تَحْصُل بِهِمْ الاِسْتِفَاضَةُ:
3 - هِيَ رُؤْيَةُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ الَّذِينَ لاَ يَجُوزُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَادَةً، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي صِفَتِهِمْ مَا يُشْتَرَطُ فِي صِفَةِ الشَّاهِدِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَدَالَةِ (2) .
وَهَذَا أَحَدُ تَفْسِيرَيْ الاِسْتِفَاضَةِ، وَقَدِ ارْتَقَتْ بِهِ إِلَى التَّوَاتُرِ، أَمَّا التَّفْسِيرُ الثَّانِي لِلاِسْتِفَاضَةِ فَقَدْ حُدِّدَتْ بِمَا زَادَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَشْخَاصٍ (3) .
وَالتَّفْسِيرَانِ يَلْتَقِيَانِ فِي أَنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ تَكُونُ فِي حَالَةِ الصَّحْوِ، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَا دُخُول رَمَضَانَ.
__________
(1) البهوتي: منصور بن يونس، كشاف القناع 2 / 270 (مطبعة أنصار السنة المحمدية 1366 / 1947) .
(2) ابن رشد: المقدمات على هامش المدونة 1 / 189 (دار الفكر ط 2 - 1400 / 1980) .
(3) الحطاب، ومواهب الجليل 2 / 384 (دار الفكر ط 2: 1398 / 1978)

الصفحة 24