كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ، قَال: فَاقْرَأْهُ فِي كُل عَشْرٍ قَال: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ. قَال: فَاقْرَأْهُ فِي كُل سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا. قَال: فَشَدَّدْتُ، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيَّ، قَال: وَقَال لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطُول بِكَ عُمُرٌ. قَال: فَصِرْتُ إِلَى الَّذِي قَال لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
قَال الشَّاطِبِيُّ: إِنَّ دُخُول الْمَشَقَّةِ وَعَدَمَهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي الدَّوَامِ أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ أَمْرًا مُنْضَبِطًا بَل هُوَ إِضَافِيٌّ مُخْتَلِفٌ بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ النَّاسِ فِي قُوَّةِ أَجْسَامِهِمْ أَوْ فِي قُوَّةِ عَزَائِمِهِمْ، أَوْ فِي قُوَّةِ يَقِينِهِمْ (2) .
وَيَنْقَسِمُ الْحَرَجُ مِنْ حَيْثُ الْقُدْرَةُ عَلَى الاِنْفِكَاكِ وَعَدَمِهِ إِلَى عَامٍّ وَخَاصٍّ.
فَالْحَرَجُ الْعَامُّ هُوَ الَّذِي لاَ قُدْرَةَ لِلإِْنْسَانِ فِي الاِنْفِكَاكِ عَنْهُ غَالِبًا كَالتَّغَيُّرِ اللاَّحِقِ لِلْمَاءِ بِمَا لاَ يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا، كَالتُّرَابِ وَالطُّحْلُبِ وَشِبْهِ ذَلِكَ.
وَالْحَرَجُ الْخَاصُّ هُوَ مَا كَانَ فِي قُدْرَةِ الإِْنْسَانِ الاِنْفِكَاكُ عَنْهُ غَالِبًا، كَتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِالْخَل وَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ.
__________
(1) حديث عبد الله بن عمرو قال: " كنت أصوم الدهر " أخرجه مسلم (2 / 813 - 814 - ط الحلبي) .
(2) الاعتصام للشاطبي 1 / 244، 249، 255 المكتبة التجارية الكبرى 1955 م
7 - هَذَا تَقْسِيمُ الشَّاطِبِيِّ، وَهُنَاكَ مَنْ يُقَسِّمُ الْحَرَجَ إِلَى عَامٍّ وَخَاصٍّ مِنْ حَيْثُ شُمُول الْحَرَجِ وَعَدَمِهِ. فَالْعَامُّ مَا كَانَ عَامًّا لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ، وَالْخَاصُّ مَا كَانَ بِبَعْضِ الأَْقْطَارِ، أَوْ بَعْضِ الأَْزْمَانِ، أَوْ بَعْضِ النَّاسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِذَا كَانَ الْحَرَجُ فِي نَازِلَةٍ عَامَّةٍ فِي النَّاسِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَإِذَا كَانَ خَاصًّا لَمْ يُعْتَبَرْ عِنْدَنَا، وَفِي بَعْضِ أُصُول الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُهُ ".
كَمَا يُمْكِنُ تَقْسِيمُ الْحَرَجِ إِلَى بَدَنِيٍّ وَنَفْسِيٍّ.
فَالْبَدَنِيُّ: مَا كَانَ أَثَرُهُ وَاقِعًا عَلَى الْبَدَنِ كَوُضُوءِ الْمَرِيضِ الَّذِي يَضُرُّهُ الْمَاءُ، وَصَوْمِ الْمَرِيضِ، وَكَبِيرِ السِّنِّ، وَتَرْكِ الْمُضْطَرِّ أَكْل الْمَيْتَةِ.
وَالنَّفْسِيُّ: مَا كَانَ أَثَرُهُ وَاقِعًا عَلَى النَّفْسِ، كَالأَْلَمِ وَالضِّيقِ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ أَوْ ذَنْبٍ صَدَرَ مِنْهُ، وَقَدْ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا جَعَل عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} إِنَّمَا ذَلِكَ سِعَةُ الإِْسْلاَمِ مَا جَعَل اللَّهُ مِنَ التَّوْبَةِ وَالْكَفَّارَاتِ (1) .

شُرُوطُ الْحَرَجِ الْمَرْفُوعِ:
8 - لَيْسَ كُل حَرَجٍ مَرْفُوعًا. بَل هُنَاكَ شُرُوطٌ لاَ بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا لاِعْتِبَارِ رَفْعِ الْحَرَجِ وَهِيَ:
(1) أَنْ يَكُونَ الْحَرَجُ حَقِيقِيًّا، وَهُوَ مَا لَهُ سَبَبٌ مُعَيَّنٌ وَاقِعٌ، كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، أَوْ مَا تَحَقَّقَ بِوُجُودِهِ
__________
(1) الموافقات للشاطبي 2 / 159 وما بعدها، وأحكام القرآن لابن العربي 3 / 310.

الصفحة 286