كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَل فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُل الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَال الرَّجُل: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ الْعَطَشِ مِثْل الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي، فَنَزَل الْبِئْرَ فَمَلأََ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَال: فِي كُل ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ (1) .

وَأَمَّا النَّفَقَةُ عَلَى الْحَيَوَانِ رِفْقًا وَرَحْمَةً بِهِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الإِْنْفَاقِ عَلَى الْمَمْلُوكِ مِنْهُ دِيَانَةً، وَاخْتَلَفُوا فِي الإِْجْبَارِ عَلَيْهَا وَالْقَضَاءِ بِهَا عَلَى مَنْ عِنْدَهُ بَهِيمَةٌ لاَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا عَلَى وُجُوبِهَا وَلُزُومِهَا عَلَيْهِ، فَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْحَقِّ يَكُونُ عِنْدَ الطَّلَبِ وَالْخُصُومَةِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَلاَ خَصْمَ، فَلاَ يُجْبَرُ، وَلَكِنْ تَجِبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّ فِي تَرْكِهِ جَائِعًا تَعْذِيبَ الْحَيَوَانِ بِلاَ فَائِدَةٍ وَتَضْيِيعَ الْمَال، وَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ وَلأَِنَّهُ سَفَهٌ لِخُلُوِّهِ عَنِ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ، وَالسَّفَهُ حَرَامٌ عَقْلاً (2) .
__________
(1) حديث: " بينما رجل يمشي بطريق. . . . . . . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 438 - ط السلفية) .
(2) بدائع الصنائع 4 / 40 ط. الجمالية، ابن عابدين 2 / 688 - 689 - ط. بولاق، فتح القدير 3 / 355 - 356 ط. الأميرية، الاختيار 4 / 14 ط. المعرفة، الفتاوى الهندية 1 / 573 - 574 ط. المكتبة الإسلامية.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ نَفَقَةَ الدَّابَّةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْعًى وَاجِبَةٌ، وَيَقْضِي بِهَا، لأَِنَّ تَرْكَهُ مُنْكَرٌ، وَإِزَالَتُهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِهِ، خِلاَفًا لِقَوْل ابْنِ رُشْدٍ يُؤْمَرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، وَدَخَل فِي الدَّابَّةِ هِرَّةٌ عَمِيَتْ فَتَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنِ انْقَطَعَتْ عِنْدَهُ حَيْثُ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الاِنْصِرَافِ، فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا؛ لأَِنَّ لَهُ طَرْدَهَا (1) .
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دَابَّةً لَزِمَهُ عَلَفُهَا وَسَقْيُهَا، وَيَقُومُ مَقَامَ الْعَلَفِ وَالسَّقْيِ تَخْلِيَتُهَا لِتَرْعَى وَتَرِدَ الْمَاءَ، إِنْ كَانَتْ مِمَّا يَرْعَى وَيَكْتَفِي بِهِ لِخِصْبِ الأَْرْضِ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَانِعُ ثَلْجٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ أَجْدَبَتِ الأَْرْضُ وَلَمْ يَكْفِهَا الرَّعْيُ لَزِمَهُ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَلَفِ مَا يَكْفِيهَا، وَيَطَّرِدُ هَذَا فِي كُل حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ (يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ) ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ ذَلِكَ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ فِي الْمَأْكُولَةِ عَلَى بَيْعِهَا أَوْ صِيَانَتِهَا عَنِ الْهَلاَكِ بِالْعَلَفِ أَوِ التَّخْلِيَةِ لِلرَّعْيِ أَوْ ذَبْحِهَا. وَفِي غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ عَلَى الْبَيْعِ أَوِ
__________
(1) حاشية الدسوقي 2 / 522 ط. الفكر، جواهر الإكليل 1 / 407ط. المعرفة، الخرشي 4 / 201 - 202 ط. بولاق، الزرقاني 4 / 258 - 259 ط. الفكر، التاج والإكليل مع مواهب الجليل 4 / 206 - 207 ط. النجاح.

الصفحة 296