كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

التَّفْسِيرُ الثَّانِي بِمَعْنَى تَضْيِيقِ عَدَدِ أَيَّامِ الشَّهْرِ:
فَسَّرَ الْقَائِلُونَ بِهِ اقْدُرُوا لَهُ بِمَعْنَى ضَيِّقُوا لَهُ الْعَدَدَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} (1) ، وَالتَّضْيِيقُ لَهُ أَنْ يَجْعَل شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا (2) . وَمِمَّنْ قَال بِهَذَا الرَّأْيِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُجَوِّزُ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ إِنْ كَانَتِ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً (3) .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسِبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ (4) .
بَيَّنَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ الْمَنْفِيَّ عَنْهُمُ الْكِتَابُ وَالْحِسَابُ هُمْ أَغْلَبُ أَهْل الإِْسْلاَمِ الَّذِينَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ تَحْدِيثِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّبِيُّ نَفْسُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
ثُمَّ قَال ابْنُ حَجَرٍ: " الْمُرَادُ بِالْحِسَابِ هُنَا حِسَابُ النُّجُومِ وَتَسْيِيرُهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ النَّزْرَ الْيَسِيرَ، فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ
__________
(1) سورة الطلاق / 7.
(2) ابن قدامة، المغني 3 / 90، والنووي، المجموع شرح المهذب 6 / 270، وشرح مسلم 3 / 53.
(3) النووي، المجموع شرح المهذب 6 / 270، وشرح مسلم 3 / 53
(4) حديث: " إنا أمة أمية. . . " تقدم تخريجه (ف 7) .
وَغَيْرِهِ بِالرُّؤْيَةِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَابِ التَّسْيِيرِ، وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ، بَل ظَاهِرُ السِّيَاقِ يُشْعِرُ بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلاً. وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ وَلَمْ يَقُل فَسَلُوا أَهْل الْحِسَابِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ كَوْنُ الْعَدَدِ عِنْدَ الإِْغْمَاءِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُكَلَّفُونَ فَيَرْتَفِعُ الاِخْتِلاَفُ وَالنِّزَاعُ عَنْهُمْ (1) ".

اخْتِلاَفُ الْمَطَالِعِ:
14 - اخْتِلاَفُ مَطَالِعِ الْهِلاَل أَمْرٌ وَاقِعٌ بَيْنَ الْبِلاَدِ الْبَعِيدَةِ كَاخْتِلاَفِ مَطَالِعِ الشَّمْسِ، لَكِنْ هَل يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي بَدْءِ صِيَامِ الْمُسْلِمِينَ وَتَوْقِيتِ عِيدَيِ الْفِطْرِ وَالأَْضْحَى وَسَائِرِ الشُّهُورِ فَتَخْتَلِفُ بَيْنَهُمْ بَدْءًا وَنِهَايَةً أَمْ لاَ يُعْتَبَرُ بِذَلِكَ، وَيَتَوَحَّدُ الْمُسْلِمُونَ فِي صَوْمِهِمْ وَفِي عِيدَيْهِمْ؟ ،
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لاَ عِبْرَةَ بِاخْتِلاَفِ الْمَطَالِعِ، وَهُنَاكَ مَنْ قَال بِاعْتِبَارِهَا، وَخَاصَّةً بَيْنَ الأَْقْطَارِ الْبَعِيدَةِ، فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: بِأَنَّهُ لِكُل بَلَدٍ رُؤْيَتُهُمْ، وَأَوْجَبُوا عَلَى الأَْمْصَارِ الْقَرِيبَةِ اتِّبَاعَ بَعْضِهَا بَعْضًا، وَأَلْزَمُوا أَهْل الْمِصْرِ الْقَرِيبِ فِي حَالَةِ اخْتِلاَفِهِمْ مَعَ مِصْرٍ قَرِيبٍ مِنْهُمْ بِصِيَامِهِمْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَصِيَامِ
__________
(1) فتح الباري 4 / 127، ونفس المعنى للحديث فسره به العيني في عمدة القاري 10 / 286 - 287

الصفحة 35