كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

الآْخَرِينَ ثَلاَثِينَ اعْتِمَادًا عَلَى الرُّؤْيَةِ أَوْ إِتْمَامَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ أَنْ يَقْضُوا الْيَوْمَ الَّذِي أَفْطَرُوهُ؛ لأَِنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ حَسَبَ مَا ثَبَتَ عِنْدَ الْمِصْرِ الآْخَرِ، وَالْمُعْتَمَدُ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لاَ اعْتِبَارَ بِاخْتِلاَفِ الْمَطَالِعِ فَإِذَا ثَبَتَ الْهِلاَل فِي مِصْرٍ لَزِمَ سَائِرَ النَّاسِ فَيُلْزَمُ أَهْل الْمَشْرِقِ بِرُؤْيَةِ أَهْل الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى جَمِيعِ أَقْطَارِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا رُئِيَ الْهِلاَل فِي أَحَدِهَا.
وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ هَذَا التَّعْمِيمَ فَاسْتَثْنَى الْبِلاَدَ الْبَعِيدَةَ كَثِيرًا كَالأَْنْدَلُسِ وَخُرَاسَانَ (2) .
وَبَيَّنَ الْقَرَافِيُّ اخْتِلاَفَ مَطَالِعِ الْهِلاَل عِلْمِيًّا، وَذَكَرَ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِهِ مُكْتَفِيًا بِهِ عَنِ الْبَقِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ: وَهُوَ أَنَّ الْبِلاَدَ الْمَشْرِقِيَّةَ إِذَا كَانَ الْهِلاَل فِيهَا فِي الشُّعَاعِ وَبَقِيَتِ الشَّمْسُ تَتَحَرَّكُ مَعَ الْقَمَرِ إِلَى الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ فَمَا تَصِل الشَّمْسُ إِلَى أُفُقِ الْمَغْرِبِ إِلاَّ وَقَدْ خَرَجَ الْهِلاَل عَنِ الشُّعَاعِ فَيَرَاهُ أَهْل الْمَغْرِبِ وَلاَ يَرَاهُ أَهْل الْمَشْرِقِ. وَاسْتَنْتَجَ مِنْ هَذَا الْبَيَانِ وَمِنَ اتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعِهِمْ عَلَى اخْتِلاَفِ أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ وَمُرَاعَاةِ ذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ بِحَيْثُ أَفْتَوْا بِأَنَّهُ إِذَا مَاتَ أَخَوَانِ عِنْدَ الزَّوَال أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالآْخَرُ بِالْمَغْرِبِ حُكِمَ بِأَسْبَقِيَّةِ مَوْتِ الْمَشْرِقِيِّ؛ لأَِنَّ
__________
(1) ابن عابدين: رسائل ابن عابدين 1 / 228، 229
(2) القرافي، الفروق 2 / 203، والحطاب، مواهب الجليل 2 / 384.
زَوَال الْمَشْرِقِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى زَوَال الْمَغْرِبِ فَيَرِثُ الْمَغْرِبِيُّ الْمَشْرِقِيَّ، فَقَرَّرَ بَعْدَ إِثْبَاتِهِ اخْتِلاَفَ الْهِلاَل بِاخْتِلاَفِ الآْفَاقِ وُجُوبَ أَنْ يَكُونَ لِكُل قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ فِي الأَْهِلَّةِ، كَمَا أَنَّ لِكُل قَوْمٍ أَوْقَاتَ صَلَوَاتِهِمْ، وَرَأَى أَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ عَلَى جَمِيعِ الأَْقَالِيمِ بِرُؤْيَةِ الْهِلاَل بِقُطْرٍ مِنْهَا بَعِيدٌ عَنِ الْقَوَاعِدِ، وَالأَْدِلَّةُ لَمْ تَقْتَضِ ذَلِكَ (1) .
وَعَمِل الشَّافِعِيَّةُ بِاخْتِلاَفِ الْمَطَالِعِ فَقَالُوا: " إِنَّ لِكُل بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ وَإِنَّ رُؤْيَةَ الْهِلاَل بِبَلَدٍ لاَ يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُهُ لِمَا بَعُدَ عَنْهُمْ ". كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ (2) .
وَاسْتَدَلُّوا مَعَ مَنْ وَافَقَهُمْ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَعْمَل بِرُؤْيَةِ أَهْل الشَّامِ لِحَدِيثِ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْل بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَال: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتَهَل عَلَيَّ رَمَضَانُ، وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلاَل لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلاَل فَقَال: مَتَى رَأَيْتُمْ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. فَقَال: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَال: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلاَ
__________
(1) القرافي، الفروق 2 / 204.
(2) المجموع شرح المهذب 5 / 273 - 275، وشرح مسلم 5 / 58 - 59، والشوكاني نيل الأوطار 4 / 268 (دار الجيل) .

الصفحة 36