كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

نَزَال نَصُومُ حَتَّى نُكْمِل ثَلاَثِينَ أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أَوَلاَ تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ، فَقَال: لاَ. هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
وَقَدْ عَلَّل النَّوَوِيُّ هَذِهِ الْفَتْوَى مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لاَ يَثْبُتُ حُكْمُهَا فِي حَقِّ الْبَعِيدِ (2) . وَقَال الْحَنَابِلَةُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ اخْتِلاَفِ الْمَطَالِعِ، وَأَلْزَمُوا جَمِيعَ الْبِلاَدِ بِالصَّوْمِ إِذَا رُئِيَ الْهِلاَل فِي بَلَدٍ (3) .
وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ اخْتِلاَفِ الْمَطَالِعِ بِحَدِيثِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ (4) ، فَقَدْ أَوْجَبَ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّوْمَ بِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ تَقْيِيدِهَا بِمَكَانٍ، وَاعْتَبَرُوا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنَ اجْتِهَادِهِ، وَلَيْسَ نَقْلاً عَنِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أَثَرُ الْخَطَأِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَل:
15 - قَدْ يُنْتَجُ عَنْ تَوَاصُل الْغَيْمِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ قَبْل رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ عَنْ عَدَمِ التَّحَرِّي فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَل خَطَأٌ فِي بِدَايَةِ رَمَضَانَ،
__________
(1) حديث أم الفضل أخرجه مسلم (2 / 765) - ط الحلبي.
(2) شرح مسلم 5 / 58 - 59
(3) ابن قدامة، المغني 3 / 88 - 89
(4) حديث: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته " تقدم تخريجه (ف 1)
وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِفْطَارُ يَوْمٍ مِنْهُ، أَوْ خَطَأٌ فِي بِدَايَةِ شَوَّالٍ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِفْطَارُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ صِيَامُ يَوْمِ الْعِيدِ، أَوْ خَطَأٌ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وُقُوفٌ بِعَرَفَةَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَهَذَا أَخْطَرُهَا (1) .
وَقَدِ اسْتَنَدَ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الْوُقُوفِ فِي غَيْرِ يَوْمِهِ إِلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: شَهْرَانِ لاَ يَنْقُصَانِ: شَهْرَا عِيدٍ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ (2) .
وَفَهِمُوا مِنْهُ أَنَّ الْخَطَأَ فِي الْوَقْفَةِ لاَ يَنْقُصُ أَجْرَهَا، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى لاَ يُفْسِدُهَا.
قَال الطِّيبِيُّ: ظَاهِرُ سِيَاقِ الْحَدِيثِ بَيَانُ اخْتِصَاصِ الشَّهْرَيْنِ بِمَزِيَّةٍ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الشُّهُورِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ثَوَابَ الطَّاعَةِ فِي غَيْرِهِمَا يَنْقُصُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ رَفْعُ الْحَرَجِ عَمَّا عَسَى أَنْ يَقَعَ فِيهِ خَطَأٌ فِي الْحُكْمِ لاِخْتِصَاصِهِمَا بِالْعِيدَيْنِ وَجَوَازِ احْتِمَال وُقُوعِ الْخَطَأِ فِيهِمَا. وَمِنْ ثَمَّ قَال: شَهْرَا عِيدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: شَهْرَانِ لاَ يَنْقُصَانِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ (3) .
قَال ابْنُ بَطَّالٍ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْعَيْنِيُّ: " قَالَتْ طَائِفَةٌ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بِخَطَأٍ شَامِلٍ لِجَمِيعِ أَهْل الْمَوْقِفِ فِي يَوْمٍ قَبْل يَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ
__________
(1) الحطاب، مواهب الجليل 2 / 283
(2) حديث: " شهران لا ينقصان: شهرا عيد: رمضان وذو الحجة " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 124 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 766 - ط الحلبي) من حديث أبي بكرة.
(3) فتح الباري 4 / 126.

الصفحة 37