كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ. .} (1) قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لَمْ يَذَرِ الْمُخَابَرَةَ فَلْيُؤْذَنْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (2) قَال ابْنُ كَثِيرٍ: وَإِنَّمَا حُرِّمَتِ الْمُخَابَرَةُ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الأَْرْضِ، وَالْمُزَابَنَةُ وَهِيَ اشْتِرَاءُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْل بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الأَْرْضِ، وَالْمُحَاقَلَةُ وَهِيَ اشْتِرَاءُ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ فِي الْحَقْل بِالْحَبِّ عَلَى وَجْهِ الأَْرْضِ، إِنَّمَا حُرِّمَتْ هَذِهِ الأَْشْيَاءُ وَمَا شَاكَلَهَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الرِّبَا؛ لأَِنَّهُ لاَ يُعْلَمُ التَّسَاوِي بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَبْل الْجَفَافِ، وَلِهَذَا قَال الْفُقَهَاءُ: الْجَهْل بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ، وَمِنْ هَذَا حَرَّمُوا أَشْيَاءَ بِمَا فَهِمُوا مِنْ تَضْيِيقِ الْمَسَالِكِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الرِّبَا وَالْوَسَائِل الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ، وَتَفَاوَتَ نَظَرُهُمْ بِحَسَبِ مَا وَهَبَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنَ الْعِلْمِ.
8 - وَبَابُ الرِّبَا مِنْ أَشْكَل الأَْبْوَابِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ، وَقَدْ قَال عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ثَلاَثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ: الْجَدُّ وَالْكَلاَلَةُ وَأَبْوَابٌ مِنَ الرِّبَا، يَعْنِي - كَمَا قَال ابْنُ كَثِيرٍ - بِذَلِكَ بَعْضَ الْمَسَائِل الَّتِي فِيهَا شَائِبَةُ الرِّبَا، وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ
__________
(1) سورة البقرة / 275
(2) حديث: " من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله " أخرجه أبو داود (3 / 695 - تحقيق عزت عبيد دعاس) دون ذكر الآية، وأعله المناوي في فيض القدير (6 / 224 - ط المكتبة التجارية) .
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: مِنْ آخِرِ مَا نَزَل آيَةُ الرِّبَا، وَإِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ قَبْل أَنْ يُفَسِّرَهَا لَنَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ، وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: ثَلاَثٌ لأََنْ يَكُونَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: الْكَلاَلَةُ، وَالرِّبَا، وَالْخِلاَفَةُ (1) .

حِكْمَةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا:
9 - أَوْرَدَ الْمُفَسِّرُونَ لِتَحْرِيمِ الرِّبَا حِكَمًا تَشْرِيعِيَّةً:
مِنْهَا: أَنَّ الرِّبَا يَقْتَضِي أَخْذَ مَال الإِْنْسَانِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ؛ لأَِنَّ مَنْ يَبِيعُ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً تَحْصُل لَهُ زِيَادَةُ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَمَال الْمُسْلِمِ مُتَعَلِّقُ حَاجَتِهِ، وَلَهُ حُرْمَةٌ عَظِيمَةٌ، قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُرْمَةُ مَال الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ (2) وَإِبْقَاءُ الْمَال فِي يَدِهِ مُدَّةً مَدِيدَةً وَتَمْكِينُهُ مِنْ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ أَمْرٌ مَوْهُومٌ، فَقَدْ يَحْصُل وَقَدْ لاَ يَحْصُل، وَأَخْذُ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ مُتَيَقَّنٌ، وَتَفْوِيتُ
__________
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1 / 581 - 582، وتفسير الطبري 6 / 38، وتفسير القرطبي 3 / 364، 6 / 29.
(2) حديث: " حرمة مال المسلم كحرمة دمه " أخرجه أبو نعيم في الحلية (7 / 334 - ط السعادة) من حديث عبد الله بن مسعود، وفي إسناده ضعف، ولكن أورد ابن حجر شواهد له يتقوى بها، التلخيص الحبير (3 / 46 - ط شركة الطباعة الفنية) .

الصفحة 54