كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

الْمُتَيَقَّنِ لأَِجْل الْمَوْهُومِ لاَ يَخْلُو مِنْ ضَرَرٍ (1) .
وَمِنْهَا: أَنَّ الرِّبَا يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الاِشْتِغَال بِالْمَكَاسِبِ؛ لأَِنَّ صَاحِبَ الدِّرْهَمِ إِذَا تَمَكَّنَ بِوَاسِطَةِ عَقْدِ الرِّبَا مِنْ تَحْصِيل الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ نَقْدًا كَانَ أَوْ نَسِيئَةً خَفَّ عَلَيْهِ اكْتِسَابُ وَجْهِ الْمَعِيشَةِ، فَلاَ يَكَادُ يَتَحَمَّل مَشَقَّةَ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَاتِ الشَّاقَّةِ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ مَنَافِعِ الْخَلْقِ الَّتِي لاَ تَنْتَظِمُ إِلاَّ بِالتِّجَارَاتِ وَالْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ وَالْعِمَارَاتِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الرِّبَا يُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْقَرْضِ؛ لأَِنَّ الرِّبَا إِذَا حُرِّمَ طَابَتِ النُّفُوسُ بِقَرْضِ الدِّرْهَمِ وَاسْتِرْجَاعِ مِثْلِهِ، وَلَوْ حَل الرِّبَا لَكَانَتْ حَاجَةُ الْمُحْتَاجِ تَحْمِلُهُ عَلَى أَخْذِ الدِّرْهَمِ بِدِرْهَمَيْنِ، فَيُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ الْمُوَاسَاةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالإِْحْسَانِ (2) .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَال ابْنُ الْقَيِّمِ. . . فَرِبَا النَّسِيئَةِ، وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِثْل أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْمَال، وَكُلَّمَا أَخَّرَهُ زَادَ فِي الْمَال، حَتَّى تَصِيرَ الْمِائَةُ عِنْدَهُ آلاَفًا
__________
(1) نهاية المحتاج 3 / 409، وحاشية الجمل 3 / 46، والقليوبي 2 / 166، وتفسير القرطبي 3 / 359. وينظر الفرق بين العلة والحكمة والسبب في الملحق الأصولي، ويمكن الرجوع إلى كتب أصول الفقه، ومنها: حاشية البناني على شرح جمع الجوامع 1 / 94 وما بعدها، و 2 / 240 وما بعدها.
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي 7 / 93 - 94، وتفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري 3 / 81 بهامش الطبري.
مُؤَلَّفَةً، وَفِي الْغَالِبِ لاَ يَفْعَل ذَلِكَ إِلاَّ مُعْدِمٌ مُحْتَاجٌ، فَإِذَا رَأَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يُؤَخِّرُ مُطَالَبَتَهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهِ بِزِيَادَةٍ يَبْذُلُهَا لَهُ تَكَلَّفَ بَذْلَهَا لِيَفْتَدِيَ مِنْ أَسْرِ الْمُطَالَبَةِ وَالْحَبْسِ، وَيُدَافِعُ مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ، فَيَشْتَدُّ ضَرَرُهُ، وَتَعْظُمُ مُصِيبَتُهُ، وَيَعْلُوهُ الدَّيْنُ حَتَّى يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ مَوْجُودِهِ، فَيَرْبُو الْمَال عَلَى الْمُحْتَاجِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُل لَهُ، وَيَزِيدُ مَال الْمُرَابِي مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُل مِنْهُ لأَِخِيهِ، فَيَأْكُل مَال أَخِيهِ بِالْبَاطِل، وَيَحْصُل أَخُوهُ عَلَى غَايَةِ الضَّرَرِ، فَمِنْ رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ وَحِكْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى خَلْقِهِ أَنْ حَرَّمَ الرِّبَا (1) . . .
10 - وَأَمَّا الأَْصْنَافُ السِّتَّةُ الَّتِي حُرِّمَ فِيهَا الرِّبَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الآْخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ (2) .
11 - أَمَّا هَذِهِ الأَْصْنَافُ فَقَدْ أَجْمَل ابْنُ الْقَيِّمِ حِكْمَةَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا حَيْثُ قَال: وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ
__________
(1) أعلام الموقعين 2 / 154.
(2) حديث: " الذهب بالذهب، والحنطة بالحنطة " هذا الحديث مركب من حديثين: الأول من حديث عبادة بن الصامت، والثاني من حديث أبي هريرة، أخرجهما مسلم (3 / 1211 - ط الحلبي) .

الصفحة 55