كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)

تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلاً بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ (1) .
يَعْنِي مَا يُوزَنُ بِالْمِيزَانِ، فَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الآْثَارِ قِيَامُ الدَّلِيل عَلَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ مِنَ الأَْشْيَاءِ السِّتَّةِ إِلَى غَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَال الرِّبَا سِتَّةُ أَشْيَاءَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ حُكْمَ الرِّبَا فِي الأَْشْيَاءِ السِّتَّةِ.
وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِ هَذِهِ الأَْجْنَاسِ السِّتَّةِ بِالذِّكْرِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ عَامَّةَ الْمُعَامَلاَتِ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ بِهَا عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: كُنَّا فِي الْمَدِينَةِ نَبِيعُ الأَْوْسَاقَ وَنَبْتَاعُهَا (2) وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَدْخُل تَحْتَ الْوَسْقِ مِمَّا تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ وَهِيَ الأَْجْنَاسُ الْمَذْكُورَةُ (3) .
وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَنُفَاةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُمْ قَصَرُوا التَّحْرِيمَ عَلَى الأَْجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا، وَقَالُوا إِنَّ التَّحْرِيمَ لاَ يَجْرِي فِي غَيْرِهَا بَل إِنَّهُ عَلَى أَصْل الإِْبَاحَةِ، وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ:
__________
(1) حديث: " أكل تمر خيبر هكذا " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 317 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1215 - الحلبي) واللفظ لمسلم.
(2) حديث: " كنا في المدينة نبيع الأوساق ونبتاعها " أخرجه النسائي (7 / 15 - ط المكتبة التجارية) ، والحاكم (2 / 5 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث قيس بن أبي غرزة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(3) المبسوط 12 / 112 - 113، وجواهر الإكليل 2 / 17، والمجموع 9 / 393، والمغني 4 / 5.
أَنَّ الشَّارِعَ خَصَّ مِنَ الْمَكِيلاَتِ وَالْمَطْعُومَاتِ وَالأَْقْوَاتِ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ، فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي كُل الْمَكِيلاَتِ أَوْ فِي كُل الْمَطْعُومَاتِ لَقَال: لاَ تَبِيعُوا الْمَكِيل بِالْمَكِيل مُتَفَاضِلاً أَوْ: لاَ تَبِيعُوا الْمَطْعُومَ بِالْمَطْعُومِ مُتَفَاضِلاً، فَإِنَّ هَذَا الْكَلاَمَ يَكُونُ أَشَدَّ اخْتِصَارًا وَأَكْثَرَ فَائِدَةً، فَلَمَّا لَمْ يَقُل ذَلِكَ وَعَدَّ الأَْرْبَعَةَ عَلِمْنَا أَنَّ حُكْمَ الْحُرْمَةِ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا. وَأَنَّ التَّعْدِيَةَ مِنْ مَحَل النَّصِّ إِلَى غَيْرِ مَحَل النَّصِّ لاَ تُمْكِنُ إِلاَّ بِوَاسِطَةِ تَعْلِيل الْحُكْمِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَهُوَ عِنْدَ نُفَاةِ الْقِيَاسِ غَيْرُ جَائِزٍ (1) .

عِلَّةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الأَْجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا:
21 - اتَّفَقَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الأَْجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا إِنَّمَا هُوَ لِعِلَّةٍ، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِالتَّحْرِيمِ يَتَعَدَّى إِلَى مَا تَثْبُتُ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَّةُ، وَأَنَّ عِلَّةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاحِدَةٌ، وَعِلَّةَ الأَْجْنَاسِ الأَْرْبَعَةِ الأُْخْرَى وَاحِدَةٌ. . ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْعِلَّةِ.
22 - فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْعِلَّةُ: الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ، وَقَدْ عُرِفَ الْجِنْسُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ (2) وَعُرِفَ الْقَدْرُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِثْلاً بِمِثْلٍ وَيَعْنِي بِالْقَدْرِ الْكَيْل فِيمَا يُكَال
__________
(1) المبسوط 12 / 112، والمجموع 9 / 393، تفسير الرازي 7 / 92 - 93، والمغني 4 / 5.
(2) الحديث تقدم تخريجه ف / 10.

الصفحة 64