كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} (1) ، وَلِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ مَرْفُوعًا مَكَّةُ حَرَامٌ، حَرَّمَهَا اللَّهُ، لاَ تَحِل بَيْعُ رِبَاعِهَا، وَلاَ إِجَارَةُ بُيُوتِهَا (2) ، وَلِحَدِيثِ مَكَّةُ مُنَاخٌ لاَ تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلاَ تُؤَاجَرُ بُيُوتُهَا (3) ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: فَإِنْ سَكَنَ بِأُجْرَةٍ فِي رِبَاعِ مَكَّةَ لَمْ يَأْثَمْ بِدَفْعِهَا (4) .
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ، وَبِهَذَا قَال الشَّافِعِيَّةُ، وَاسْتَدَل الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِجَوَازِ بَيْعِ رِبَاعِ مَكَّةَ وَكِرَاءِ دُورِهَا بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} (5) فَنَسَبَ الدِّيَارَ إِلَى الْمَالِكِينَ، وَبِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَال: يَا رَسُول اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِل فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَال: وَهَل تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ (6) ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا
__________
(1) سورة الحج / 25.
(2) حديث مجاهد مرفوعًا: " مكة حرام، حرمها الله، لا تحل بيع رباعها ولا. . . . " أخرجه ابن أبي شيبة كما في نصب الراية للزيلعي (4 / 266 - ط المجلس العلمي) وإسناده ضعيف لإرساله.
(3) حديث: " مكة مناخ لا تباع رباعها ولا تؤاجر بيوتها " أخرجه الدارقطني (3 / 58 - ط دار المحاسن) من حديث عبد الله بن عمرو، وأعله بضعف أحد رواته.
(4) كشاف القناع 3 / 160، بدائع الصنائع 5 / 146.
(5) سورة الحشر / 9.
(6) حديث: " وهل ترك لنا عقيل من رباع. . . " تقدم تخريجه في ف / 1.
طَالِبٍ، وَلَمْ يَرِثْ جَعْفَرٌ وَلاَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَيْئًا لأَِنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَبِقَوْل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ دَخَل دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ (1) فَنَسَبَ الدِّيَارَ إِلَى مَالِكِيهَا، وَبِاشْتِرَاءِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَارَ الْحَجَّامِينَ وَإِسْكَانِهَا (2) .
وَالْمَالِكِيَّةُ عِنْدَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ:
الأُْولَى: الْمَنْعُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَالثَّانِيَةُ: الْجَوَازُ، قَال ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ وَالْمُعْتَمَدُ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى، وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَمَل مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى وَالْقُضَاةِ بِمَكَّةَ.
وَالثَّالِثَةُ: الْكَرَاهَةُ، فَإِنْ قَصَدَ بِالْكِرَاءِ الآْلاَتِ وَالأَْخْشَابَ جَازَ، وَإِنْ قَصَدَ الْبُقْعَةَ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ.
وَالرَّابِعَةُ: تَخْصِيصُ الْكَرَاهَةِ بِالْمَوْسِمِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ وَاحْتِيَاجِهِمْ إِلَى الْوَقْفِ (3) .
ب - الشُّفْعَةُ فِي الرِّبَاعِ:
6 - تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الرِّبَاعِ قَبْل قِسْمَتِهَا بِالإِْجْمَاعِ تَبَعًا لِلأَْرْضِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَأَصْلاً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لأَِنَّ ضَرَرَ أَذَى الدَّخِيل يَتَأَبَّدُ، وَذَلِكَ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ فِي الْعَقَارِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الْعَقَارِ إِنْ
__________
(1) حديث: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. . . . . . . . . " أخرجه مسلم (3 / 1406 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(2) إعلام الساجد بأحكام المساجد ص 147 - 148
(3) تهذيب الفروق للقرافي 4 / 11.
الصفحة 81