كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 22)
الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ (1) .
فَالزَّوْجُ لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ إِذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ رَتْقَاءَ حَال الْعَقْدِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا؛ لأَِنَّ الرَّتَقَ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْوَطْءُ، وَعَامَّةُ مَصَالِحِ النِّكَاحِ يَقِفُ حُصُولُهَا عَلَى الْوَطْءِ.
فَإِنَّ الْعِفَّةَ عَنِ الزِّنَا وَالسَّكَنَ وَالْوَلَدَ تَحْصُل بِالْوَطْءِ، وَالرَّتَقُ يَمْنَعُ مِنْهُ، فَلِهَذَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِهِ (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ بِالزَّوْجَةِ رَتَقٌ فَلاَ خِيَارَ لِلزَّوْجِ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ. وَبِهَذَا قَال عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو قِلاَبَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالأَْوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (3) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِأَنَّ الرَّتَقَ لاَ يُخِل بِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْحِل، فَلاَ يَثْبُتُ بِهِ خِيَارُ الْفَسْخِ كَالْعَمَى وَالشَّلَل وَالزَّمَانَةِ، فَأَمَّا الاِسْتِيفَاءُ فَهُوَ ثَمَرَةٌ وَفَوَاتُ الثَّمَرَةِ لاَ يُؤَثِّرُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ.
نَظِيرُهُ أَنَّ الاِسْتِيفَاءَ يَفُوتُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَلاَ يُوجِبُ ذَلِكَ انْفِسَاخَ النِّكَاحِ حَتَّى
__________
(1) حاشية العدوي على شرح الرسالة 2 / 83 دار المعرفة، والشرح الصغير 2 / 470، وروضة الطالبين 7 / 177، وأسنى المطالب 3 / 176، وفتح القدير 3 / 367.
(2) المغني 6 / 651، وبدائع الصنائع 2 / 327.
(3) البناية 4 / 763، وفتح القدير 3 / 267، وانظر المبسوط 5 / 96.
لاَ يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنَ الْمَهْرِ. وَالرَّتَقُ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ دُونَ الْمَوْتِ؛ لأَِنَّ الاِسْتِيفَاءَ هُنَا يَتَأَتَّى بِوَاسِطَةٍ، لإِِمْكَانِ شَقِّ الرَّتَقِ (1) .
إِجْبَارُ الرَّتْقَاءِ عَلَى مُدَاوَاةِ رَتَقِهَا:
5 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الرَّتْقَاءَ إِذَا طَلَبَ زَوْجُهَا الْفَسْخَ وَطَلَبَتِ التَّدَاوِيَ تُؤَجَّل لِذَلِكَ بِالاِجْتِهَادِ وَلاَ تُجْبَرُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ خِلْقَةً، وَيَلْزَمُ الرَّجُل الصَّبْرُ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى مُدَاوَاتِهَا حُصُول عَيْبٍ فِي فَرْجِهَا. كَمَا أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا طَلَبَهُ الزَّوْجُ إِذَا كَانَ لاَ ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي الْمُدَاوَاةِ (2) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ إِجْبَارُ الرَّتْقَاءِ عَلَى شَقِّ الْمَوْضِعِ فَلَوْ فَعَلَتْ وَأَمْكَنَ الْوَطْءُ فَلاَ خِيَارَ لِزَوَال سَبَبِهِ (3) . وَقَال صَاحِبُ الدُّرِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لِلزَّوْجِ شَقُّ رَتَقِ زَوْجَتِهِ وَهَل تُجْبَرُ؟ الظَّاهِرُ: نَعَمْ؛ لأَِنَّ التَّسْلِيمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا لاَ يُمْكِنُ بِدُونِهِ.
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَابِدِينَ بِقَوْلِهِ: لَكِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ " لَهُ شَقُّ رَتَقِهَا " غَيْرُ مَنْقُولَةٍ وَإِنَّمَا الْمَنْقُول قَوْلُهُمْ فِي تَعْلِيل عَدَمِ الْخِيَارِ بِعَيْبِ الرَّتَقِ: " لإِِمْكَانِ شَقِّهِ " وَهَذَا لاَ يَدُل عَلَى أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَلِذَا قَال فِي
__________
(1) المبسوط وانظر البناية 4 / 765، بدائع الصنائع 2 / 328، والبحر الرائق 4 / 138.
(2) الفواكه الدواني 2 / 70، وحاشية الدسوقي 2 / 283، 284، نشر دار الفكر.
(3) روضة الطالبين 7 / 177، وأسنى المطالب 3 / 176.
الصفحة 96