كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)

وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَال: يَا عَائِشَةُ تَعَالَيْ فَانْظُرِي (1) .
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْقَفَّال مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى كَرَاهَةِ الرَّقْصِ مُعَلِّلِينَ ذَلِكَ بِأَنَّ فِعْلَهُ دَنَاءَةٌ وَسَفَهٌ، وَأَنَّهُ مِنْ مُسْقِطَاتِ الْمُرُوءَةِ، وَأَنَّهُ مِنَ اللَّهْوِ. قَال الأَْبِيُّ: وَحَمَل الْعُلَمَاءُ حَدِيثَ رَقْصِ الْحَبَشَةِ عَلَى الْوَثْبِ بِسِلاَحِهِمْ، وَلَعِبِهِمْ بِحِرَابِهِمْ، لِيُوَافِقَ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ: يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُول اللَّهِ بِحِرَابِهِمْ (2) .
وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَصْحَبِ الرَّقْصَ أَمْرٌ مُحَرَّمٌ كَشُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَنَحْوِهِمَا، فَيَحْرُمُ اتِّفَاقًا.
وَذَهَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى أَنَّ اتِّخَاذَ الرَّقْصِ ذِكْرًا أَوْ عِبَادَةً، بِدْعَةٌ وَمَعْصِيَةٌ، لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِهِ، وَلاَ رَسُولُهُ، وَلاَ أَحَدٌ مِنَ الأَْئِمَّةِ، أَوِ السَّلَفِ (3) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الرَّقْصَ لاَ يَحْرُمُ
__________
(1) حديث عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فسمعنا لغطا ". أخرجه الترمذي (5 / 621 - ط الحلبي) وقال: " حديث حسن صحيح غريب ".
(2) حديث أبي هريرة: " يلعبون عند رسول الله بحرابهم ". أخرجه مسلم (2 / 610 - ط الحلبي) .
(3) المبدع 10 / 226، فتاوى ابن تيمية 5 / 64، 83، 11 / 599، 604، 605، بلغة السالك 2 / 138، حاشية ابن عابدين 3 / 307، 5 / 253، نهاية المحتاج 8 / 282، حواشي تحفة المحتاج 10 / 221، روض الطالب وشرحه للأنصاري 4 / 346، مغني المحتاج 4 / 430، وكشاف القناع 5 / 184، وشرح الأبي على مسلم 3 / 43.
وَلاَ يُكْرَهُ بَل يُبَاحُ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ حَبَشَةُ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ (1) . وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى إِقْرَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفِعْلِهِمْ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَتِهِ، وَدَلِيلُهُ مِنَ الْمَعْقُول أَنَّ الرَّقْصَ مُجَرَّدُ حَرَكَاتٍ عَلَى اسْتِقَامَةٍ وَاعْوِجَاجٍ.
وَذَهَبَ الْبُلْقِينِيُّ إِلَى أَنَّ الرَّقْصَ إِذَا كَثُرَ بِحَيْثُ أَسْقَطَ الْمُرُوءَةَ حَرُمَ، وَالأَْوْجَهُ فِي الْمَذْهَبِ خِلاَفُهُ.
وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الإِْبَاحَةَ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَكَسُّرٌ كَفِعْل الْمُخَنَّثِينَ وَإِلاَّ حَرُمَ عَلَى الرِّجَال وَالنِّسَاءِ، أَمَّا مَنْ يَفْعَلُهُ خِلْقَةً مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَلاَ يَأْثَمُ بِهِ.
قَال فِي الرَّوْضِ: وَبِالتَّكَسُّرِ حَرَامٌ وَلَوْ مِنَ النِّسَاءِ (2) .

شَهَادَةُ الرَّقَّاصِ:
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الرَّقَّاصِ لأَِنَّهُ سَاقِطُ الْمُرُوءَةِ، وَهِيَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ. وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إِسْقَاطِ الْمُرُوءَةِ هُوَ الْمُدَاوَمَةُ وَالإِْكْثَارُ مِنَ
__________
(1) حديث عائشة: " جاء حبشة يزفنون ". أخرجه مسلم (2 / 609 - 610 - ط الحلبي) .
(2) نهاية المحتاج 8 / 282 - 283، الجمل 5 / 381، حواشي التحفة 10 / 221.

الصفحة 10