كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)
ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّل يَدَهُ. وَقَال: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ (1) وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يُقَبِّل يَدَهُ بَل يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، وَعِنْدَهُمْ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُقَبِّل يَدَهُ كَمَا يُقَبِّل الْحَجَرَ، وَالأَْوَّل هُوَ الْمَشْهُورُ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ التَّقْبِيل فِي الْحَجَرِ تَعَبُّدٌ وَلَيْسَتِ الْيَدُ بِالْحَجَرِ. قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: وَيُسَنُّ أَنْ تَكُونَ يَدَهُ الْيُمْنَى، وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُقَبِّلُهَا أَوْ يَضَعُ إِحْدَاهُمَا، وَالأَْوْلَى أَنْ تَكُونَ الْيُمْنَى لأَِنَّهَا الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيمَا فِيهِ شَرَفٌ.
فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنِ اسْتِلاَمِهِ بِيَدِهِ اسْتَلَمَهُ بِشَيْءٍ كَعَصًا، ثُمَّ يُقَبِّل مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (2) وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَضَعُ الْعَصَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ.
18 - فَإِنْ عَجَزَ عَنْ كُل ذَلِكَ لِشِدَّةِ الزِّحَامِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَوْ شَيْءٍ فِيهَا مِنْ بَعِيدٍ وَلاَ يُزَاحِمُ النَّاسَ فَيُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال لِعُمَرَ: يَا عُمَرُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، لاَ تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ
__________
(1) حديث نافع قال: " رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ". أخرجه مسلم (2 / 924 - ط الحلبي) .
(2) حديث: " إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم ". أخرجه البخاري (الفتح 13 / 251 - ط السلفية) ومسلم (2 / 975 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلاَّ فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّل وَكَبِّرْ (1) . وَلأَِنَّ الاِسْتِلاَمَ سُنَّةٌ، وَإِيذَاءُ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، وَتَرْكُ الْحَرَامِ أَوْلَى مِنَ الإِْتْيَانِ بِالسُّنَّةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ (2) . قَال الْحَنَفِيَّةُ: يُشِيرُ إِلَيْهِ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ كَأَنَّهُ وَاضِعُهَا عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ وَيَجْعَل بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ مُشِيرًا بِهِمَا إِلَيْهِ وَظَاهِرَهُمَا نَحْوَ وَجْهِهِ، وَصَرَّحُوا بِتَقْبِيل كَفَّيْهِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي التَّقْبِيل كَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ إِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِتَقْبِيل مَا أَشَارَ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الإِْشَارَةُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا. وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ يُقَبِّل الْمُشَارَ بِهِ قَالُوا: لِعَدَمِ وُرُودِهِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ تَعَذَّرَ اسْتِلاَمُهُ يُكَبِّرُ فَقَطْ إِذَا حَاذَاهُ مِنْ غَيْرِ إِشَارَةٍ بِيَدِهِ وَلاَ رَفْعٍ، وَصِفَةُ الاِسْتِلاَمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيَضَعَ فَمَه بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيُقَبِّلَهُ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
__________
(1) حديث: " يا عمر إنك رجل قوي ". أخرجه أحمد (1 / 28 - ط الميمنية) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3 / 241 - ط القدسي) وقال: " رواه أحمد وفيه راو لم يسم " وبين الشافعي في روايته لهذا الحديث أن المبهم هو عبد الرحمن بن نافع بن الحارث، وهذا لم يسمع من عمر بن الخطاب ففيه انقطاع، لكن رواه البيهقي بإسناد آخر عن سعيد بن المسيب مرسلاً، فهو مما يقوي هذا الطريق، يراجع سنن البيهقي (5 / 80 - ط دائرة المعارف العثمانية) .
(2) حديث ابن عباس: " طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير كلما أتى. . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 476 - ط السلفية) .
الصفحة 118