كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)
الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} (1) الآْيَةَ وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَوْبَة، إِيَاس)
ب - الْقَوَدُ عَلَى مَنْ قَتَل شَخْصًا فِي الرَّمَقِ الأَْخِيرِ:
3 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وُجِدَتْ جِنَايَةٌ مِنْ شَخْصٍ، فَأَوْصَل إِنْسَانًا إِلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ إِبْصَارٌ وَنُطْقٌ وَحَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ، ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ آخَرُ بِفِعْلٍ مُزْهِقٍ، فَالْقَاتِل هُوَ الأَْوَّل، وَيُعَزَّرُ الثَّانِي لأَِنَّهُ اعْتَدَى عَلَى حُرْمَةِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ جَنَى الثَّانِي قَبْل وُصُول الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ بِفِعْلٍ مُزْهِقٍ كَحَزِّ رَقَبَةٍ، فَالْقَاتِل هُوَ الثَّانِي، وَعَلَى الأَْوَّل قِصَاصُ الْعُضْوِ أَوْ دِيَتُهُ.
وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَرْحُ الأَْوَّل يُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ لاَ مَحَالَةَ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَصِل إِلَى الرَّمَقِ الأَْخِيرِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ، فَضَرَبَ الثَّانِي عُنُقَهُ، فَالْقَاتِل هُوَ الثَّانِي أَيْضًا لأَِنَّهُ فَوَّتَ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، بِدَلِيل: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا جُرِحَ دَخَل عَلَيْهِ الطَّبِيبُ فَسَقَاهُ لَبَنًا فَخَرَجَ صَلْدًا أَبْيَضَ (أَيْ يَنْصَبُّ) فَعَلِمَ الطَّبِيبُ أَنَّهُ مَيِّتٌ فَقَال: اعْهَدْ إِلَى النَّاسِ، فَعَهِدَ إِلَيْهِمْ وَأَوْصَى وَجَعَل الْخِلاَفَةَ إِلَى أَهْل الشُّورَى، فَقَبِل الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَهْدَهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُول وَصَايَاهُ (2) .
__________
(1) سورة الشورى / 25.
(2) حديث: " مقتل عمر " أخرجه البخاري (الفتح 7 / 61 - ط السلفية) ، وأحمد (1 / 42 ط الميمنية) وهو ملفق منهما.
أَمَّا لَوْ كَانَ وُصُول الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِلَى الرَّمَقِ الأَْخِيرِ بِسَبَبِ مَرَضٍ لاَ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ، بِأَنْ كَانَ فِي حَالَةِ النَّزْعِ وَعَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ، أَوْ بَدَتْ عَلَيْهِ مَخَايِل الْمَوْتِ، أَوْ قُتِل مَرِيضًا لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِل لأَِنَّ هَذِهِ الأُْمُورَ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهَا، وَقَدْ يُظَنُّ ذَلِكَ ثُمَّ يُشْفَى. وَلأَِنَّ الْمَرِيضَ لَمْ يَسْبِقْ فِيهِ فِعْلٌ يُحَال الْقَتْل وَأَحْكَامُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يُهْدَرَ الْفِعْل الثَّانِي (1) .
وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص، دِيَة، وَقَتْل)
ج - سَدُّ الرَّمَقِ بِأَكْل مَا هُوَ مُحَرَّمٌ:
4 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُل مِنْ لَحْمِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ مَا يَسُدُّ بِهِ رَمَقَهُ، وَيَحْفَظُ بِهِ قُوَّتَهُ وَصِحَّتَهُ وَحَيَاتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِل بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2) وقَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَل السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} - إِلَى أَنْ قَال - {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3)
__________
(1) مغني المحتاج 4 / 12، والمغني لابن قدامة 7 / 683.
(2) سورة البقرة / 173.
(3) سورة المائدة / 3.
الصفحة 148