كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)
فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلاَثِ، فَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ تَدَارَكَهُ فِيمَا يَلِيهِ مِنَ الزَّمَنِ، وَالْمُتَدَارَكُ أَدَاءٌ عَلَى الْقَوْل الأَْصَحِّ الَّذِي اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَاقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيَّةِ
وَهَكَذَا لَوْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ فَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يَتَدَارَكُهُ فِي اللَّيْل وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّرْتِيبُ فَيُقَدِّمُهُ عَلَى رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. كَذَلِكَ أَوْجَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ التَّرْتِيبَ فِي الْقَضَاءِ. وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِوُجُوبِ تَرْتِيبِهِ فِي الْقَضَاءِ بِالنِّيَّةِ.
وَإِنْ لَمْ يَتَدَارَكِ الرَّمْيَ حَتَّى غَرَبَتْ شَمْسُ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَقَدْ فَاتَهُ الرَّمْيُ وَعَلَيْهِ الْفِدَاءُ (1) .
وَدَلِيلُهُمْ: أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَقْتٌ لِلرَّمْيِ، فَإِذَا أَخَّرَهُ مِنْ أَوَّل وَقْتِهِ إِلَى آخِرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فَقَيَّدُوا رَمْيَ كُل يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، ثُمَّ فَصَّلُوا: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَنْتَهِي رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ بِطُلُوعِ فَجْرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَرَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ. فَمَنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ إِلَى مَا بَعْدَ وَقْتِهِ
__________
(1) الأم 2 / 214، والإيضاح ص 407، ونهاية المحتاج 2 / 435، 436 ومغني المحتاج 1 / 508 - 509، والمغني 3 / 455 - 456، والفروع 3 / 518 - 519.
فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَهُمْ (1) .
وَالدَّلِيل عَلَى جَوَازِ الرَّمْيِ بَعْدَ مَغْرِبِ نَهَارِ الرَّمْيِ حَدِيثُ الإِْذْنِ لِلرِّعَاءِ بِالرَّمْيِ لَيْلاً.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَنْتَهِي الأَْدَاءُ إِلَى غُرُوبِ كُل يَوْمٍ، وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ لَهُ، وَيَفُوتُ الرَّمْيُ بِغُرُوبِ الرَّابِعِ، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ فِي تَرْكِ حَصَاةٍ أَوْ فِي تَرْكِ الْجَمِيعِ، وَكَذَا يَلْزَمُهُ دَمٌ إِذَا أَخَّرَ شَيْئًا مِنْهَا إِلَى اللَّيْل (2) .
ج - الرَّمْيُ ثَالِثَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ:
10 - يَجِبُ هَذَا الرَّمْيُ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ وَلَمْ يَنْفِرْ مِنْ مِنًى بَعْدَ رَمْيِ ثَانِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى مَا نُفَصِّلُهُ وَهَذَا الرَّمْيُ آخِرُ مَنَاسِكِ مِنًى.
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الرَّمْيَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بَعْدَ الزَّوَال رَمْيٌ فِي الْوَقْتِ، كَمَا رَمَى فِي الْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ، اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَقْدِيمِهِ:
فَذَهَبَ الأَْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ وَالصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الرَّمْيُ قَبْل الزَّوَال، اسْتِدْلاَلاً بِفِعْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيَاسًا لِرَمْيِ هَذَا الْيَوْمِ عَلَى الْيَوْمَيْنِ السَّابِقَيْنِ، فَكَمَا لاَ يَصِحُّ الرَّمْيُ فِيهِمَا قَبْل
__________
(1) شرح اللباب ص 161، وانظر المبسوط 4 / 68 ولفظه: " الليالي هنا تابعة للأيام الماضية ".
(2) الشرح الكبير 2 / 51، وانظر شرح الرسالة بحاشيته 1 / 477 و480 - 481.
الصفحة 159