كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)

لُزُومُ الرَّهْنِ:
13 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمُ بِهِ الرَّهْنُ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ وَالإِْقْبَاضِ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَلِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ عَنْهُ قَبْل الْقَبْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (1) .
فَلَوْ لَزِمَ عَقْدُ الرَّهْنِ بِدُونِ قَبْضٍ لَمَا كَانَ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ؛ وَلأَِنَّهُ عَقْدُ إِرْفَاقٍ يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُول فَافْتَقَرَ إِلَى الْقَبْضِ (2) .
وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: إِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا لاَ يَلْزَمُ رَهْنُهُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، وَفِيمَا عَدَاهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ إِحْدَاهُمَا: لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، وَالأُْخْرَى: يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ (3) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَلْزَمُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِالْعَقْدِ، ثُمَّ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى التَّسْلِيمِ لِلْمُرْتَهِنِ، لأَِنَّهُ عَقْدٌ يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ، فَيَلْزَمُ بِالْعَقْدِ قَبْلَهُ كَالْبَيْعِ (4) .
هَذَا، وَإِذَا شُرِطَ الرَّهْنُ أَوِ الْكَفِيل فِي عَقْدٍ مَا ثُمَّ لَمْ يَفِ الْمُلْتَزِمُ بِالشَّرْطِ فَلِلآْخَرِ الْفَسْخُ.
__________
(1) سورة البقرة / 283
(2) أسنى المطالب 2 / 155، نهاية المحتاج 4 / 253، المغني 4 / 364، وحاشية ابن عابدين 5 / 308
(3) المغني 4 / 364
(4) بداية المجتهد 2 / 245، وحاشية البناني على شرح الزرقاني 5 / 233
رَهْنُ الْعَيْنِ عِنْدَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ:
14 - إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ الْمَرْهُونَةُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً، أَوْ مَغْصُوبَةً، فَرَهَنَهَا مِنْهُ صَحَّ الرَّهْنُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّهُ مَالُهُ، لَهُ أَخْذُهُ فَصَحَّ رَهْنُهُ كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ (1) .
وَيَلْزَمُ الرَّهْنُ فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى أَمْرٍ زَائِدٍ؛ لأَِنَّ الْيَدَ ثَابِتَةٌ، وَالْقَبْضَ حَاصِلٌ، فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى إِقْبَاضٍ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (2) . وَقَال الشَّافِعِيَّةُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الإِْقْبَاضُ، أَوِ الإِْذْنُ بِهِ إِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ يُشْتَرَطُ مَعَ إِذْنِ الْقَبْضِ مُضِيُّ مُدَّةِ إِمْكَانِ الْقَبْضِ، وَقَالُوا: لأَِنَّ الْيَدَ كَانَتْ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ الرَّهْنِ، فَلَمْ يَحْصُل الْقَبْضُ بِهَا (3) .
ثُمَّ عَلَى قَوْل الْجُمْهُورِ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِتَجْدِيدِ الْقَبْضِ يَزُول الضَّمَانُ بِالرَّهْنِ؛ لأَِنَّهُ مَأْذُونٌ فِي إِمْسَاكِهِ رَهْنًا، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ مِنْهُ عُدْوَانٌ، فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ مِنْهُ، ثُمَّ أَقْبَضَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِهِ؛ وَلأَِنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ: الْغَصْبُ، وَالإِْعَارَةُ، وَلَمْ يُعَدَّ الْمُرْتَهِنُ غَاصِبًا أَوْ
__________
(1) المغني 4 / 370، وحاشية الدسوقي 3 / 236، وحاشية الطحطاوي 4 / 235، وأسنى المطالب 2 / 155، ونهاية المحتاج 4 / 250
(2) المصادر السابقة
(3) أسنى المطالب 2 / 155، نهاية المحتاج 4 / 255

الصفحة 182