كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)

بَعْدَ الْهِجْرَةِ؛ لأَِنَّ الآْيَةَ الدَّالَّةَ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ مَدَنِيَّةٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَال: أَمَرَنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْل أَنْ تَنْزِل الزَّكَاةُ، ثُمَّ نَزَلَتْ فَرِيضَةُ الزَّكَاةِ فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا، وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ (1) .

فَضْل إِيتَاءِ الزَّكَاةِ:
6 - يَظْهَرُ فَضْل الزَّكَاةِ مِنْ أَوْجُهٍ:
1 - اقْتِرَانُهَا بِالصَّلاَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَحَيْثُمَا وَرَدَ الأَْمْرُ بِالصَّلاَةِ اقْتَرَنَ بِهِ الأَْمْرُ بِالزَّكَاةِ، مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَِنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} (2) . وَمِنْ هُنَا قَال أَبُو بَكْرٍ فِي قِتَال مَانِعِي الزَّكَاةِ: وَاَللَّهِ لأَُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ.
2 - أَنَّهَا ثَالِثُ أَرْكَانِ الإِْسْلاَمِ الْخَمْسَةِ، لِمَا فِي الْحَدِيثِ بُنِيَ الإِْسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ (3) .
__________
(1) حديث قيس بن سعد: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر " أخرجه النسائي (5 / 49 - ط المكتبة التجارية) . وصححه ابن حجر في الفتح (3 / 267 - ط السلفية) . وانظر فتح الباري 3 / 266 (ك الزكاة ب1) القاهرة، المكتبة السلفية، 1373 هـ، وروضة الطالبين للنووي 10 / 206 بيروت، المكتب الإسلامي.
(2) سورة البقرة / 110.
(3) حديث: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن. . . " تقدم تخريجه ف / 4.
3 - أَنَّهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ فَرِيضَةٌ أَفْضَل مِنْ سَائِرِ الصَّدَقَاتِ لأَِنَّهَا تَطَوُّعِيَّةٌ، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ (1) .
أَمَّا فَضْل إِيتَاءِ الزَّكَاةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ فَيَأْتِي فِي مَبَاحِثِ: (صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ) .

حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الزَّكَاةِ:
7 - أ - أَنَّ الصَّدَقَةَ وَإِنْفَاقَ الْمَال فِي سَبِيل اللَّهِ يُطَهِّرَانِ النَّفْسَ مِنَ الشُّحِّ وَالْبُخْل، وَسَيْطَرَةِ حُبِّ الْمَال عَلَى مَشَاعِرِ الإِْنْسَانِ، وَيُزَكِّيهِ بِتَوْلِيدِ مَشَاعِرِ الْمُوَادَّةِ، وَالْمُشَارَكَةِ فِي إِقَالَةِ الْعَثَرَاتِ، وَدَفْعِ حَاجَةِ الْمُحْتَاجِينَ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى.
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (2) ، وَفِيهَا مِنَ الْمَصَالِحِ لِلْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ مَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ، فَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الصَّدَقَاتِ حَدًّا أَدْنَى أَلْزَمَ الْعِبَادَ بِهِ، وَبَيَّنَ مَقَادِيرَهُ، قَال الدَّهْلَوِيُّ: إِذْ لَوْلاَ التَّقْدِيرُ لَفَرَّطَ الْمُفْرِطُ وَلاَعْتَدَى الْمُعْتَدِي. (3)
__________
(1) الحديث القدسي: " ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ. . . " أخرجه البخاري (الفتح 11 / 341 - ط السلفية) .
(2) سورة التوبة / 103.
(3) حجة الله البالغة 2 / 39، 40، بيروت، دار المعرفة، بالتصوير عن ط القاهرة.

الصفحة 229