كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)

لَوْ وَكَّل فِي مَالِهِ نَفَذَتِ الْوَكَالَةُ. (1)
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ كَوْنَ الرَّجُل مَفْقُودًا أَوْ أَسِيرًا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ فِي حَقِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِ الْبَاطِنَةِ، لأَِنَّهُ بِذَلِكَ يَكُونُ مَغْلُوبًا عَلَى عَدَمِ التَّنْمِيَةِ فَيَكُونُ مَالُهُ حِينَئِذٍ كَالْمَال الضَّائِعِ، وَلِذَا يُزَكِّيهَا إِذَا أُطْلِقَ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ كَالأَْمْوَال الضَّائِعَةِ. وَفِي قَوْل الأُْجْهُورِيِّ وَالزَّرْقَانِيِّ: لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا أَصْلاً. وَفِي قَوْل الْبُنَانِيِّ: لاَ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنِ الأَْسِيرِ وَالْمَفْقُودِ، بَل تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِمَا كُل عَامٍ، لَكِنْ لاَ يَجِبُ الإِْخْرَاجُ مِنْ مَالِهِمَا بَل يَتَوَقَّفُ مَخَافَةَ حُدُوثِ الْمَوْتِ. (2)
أَمَّا الْمَال الظَّاهِرُ فَقَدِ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْفَقْدَ وَالأَْسْرَ لاَ يُسْقِطَانِ زَكَاتَهُ؛ لأَِنَّهُمَا مَحْمُولاَنِ عَلَى الْحَيَاةِ، وَيَجُوزُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِهِمَا الظَّاهِرِ وَتُجْزِئُ، وَلاَ يَضُرُّ عَدَمُ النِّيَّةِ؛ لأَِنَّ نِيَّةَ الْمُخْرِجِ تَقُومُ مَقَامَ نِيَّتِهِ. (3)
وَلَمْ نَجِدْ لِغَيْرِ مَنْ ذُكِرَ تَعَرُّضًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

زَكَاةُ الدَّيْنِ:
20 - الدَّيْنُ مَمْلُوكٌ لِلدَّائِنِ، وَلَكِنَّهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ صَاحِبِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ: فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ، وَعِكْرِمَةُ مَوْلَى
__________
(1) المغني 3 / 50.
(2) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 1 / 481.
(3) المصدر نفسه 1 / 480.
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي الدَّيْنِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ غَيْرُ نَامٍ، فَلَمْ تَجِبْ زَكَاتُهُ، كَعُرُوضِ الْقَنِيَّةِ (وَهِيَ الْعُرُوض الَّتِي تُقْتَنَى لأَِجْل الاِنْتِفَاعِ الشَّخْصِيِّ) .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الدَّيْنَ الْحَال قِسْمَانِ: دَيْنٌ حَالٌّ مَرْجُوُّ الأَْدَاءِ، وَدَيْنٌ حَالٌّ غَيْرُ مَرْجُوِّ الأَْدَاءِ.
21 - فَالدَّيْنُ الْحَال الْمَرْجُوُّ الأَْدَاءِ: هُوَ مَا كَانَ عَلَى مُقِرٍّ بِهِ بَاذِلٍ لَهُ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ: فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل الثَّوْرِيِّ: أَنَّ زَكَاتَهُ تَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ كُل عَامٍ لأَِنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ لَهُ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ زَكَّاهُ لِكُل مَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ. وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْل: أَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الإِْخْرَاجُ قَبْل قَبْضِهِ؛ وَلأَِنَّهُ لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْحَال، وَلَيْسَ مِنَ الْمُوَاسَاةِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ مَالٍ لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ. عَلَى أَنَّ الْوَدِيعَةَ الَّتِي يَقْدِرُ صَاحِبُهَا أَنْ يَأْخُذَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، بَل يَجِبُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهَا عِنْدَ الْحَوْل. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الأَْظْهَرِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ يَجِبُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الدَّيْنِ الْمَرْجُوِّ الأَْدَاءِ فِي نِهَايَةِ كُل حَوْلٍ، كَالْمَال الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ، لأَِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ

الصفحة 238