كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الدَّيْنَ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ:
الأَْوَّل: الدَّيْنُ الْقَوِيُّ: وَهُوَ مَا كَانَ بَدَل مَالٍ زَكَوِيٍّ، كَقَرْضِ نَقْدٍ، أَوْ ثَمَنِ مَال سَائِمَةٍ، أَوْ عَرَضِ تِجَارَةٍ. فَهَذَا كُلَّمَا قَبَضَ شَيْئًا مِنْهُ زَكَّاهُ وَلَوْ قَلِيلاً (مَعَ مُلاَحَظَةِ مَذْهَبِهِ فِي الْوَقْصِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَلاَ زَكَاةَ فِي الْمَقْبُوضِ مِنْ دَيْنِ دَرَاهِمَ مَثَلاً إِلاَّ إِذَا بَلَغَتْ 40 دِرْهَمًا وَيَكُونُ فِيهَا دِرْهَمٌ) وَحَوْلُهُ حَوْل أَصْلِهِ؛ لأَِنَّ أَصْلَهُ زَكَوِيٌّ فَيُبْنَى عَلَى حَوْل أَصْلِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً.
الثَّانِي: الدَّيْنُ الضَّعِيفُ: وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَنَ مَبِيعٍ وَلاَ بَدَلاً لِقَرْضِ نَقْدٍ، وَمِثَالُهُ الْمَهْرُ وَالدِّيَةُ وَبَدَل الْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ، فَهَذَا مَتَى قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا وَكَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ غَيْرُهُ قَدِ انْعَقَدَ حَوْلُهُ يُزَكِّيهِ مَعَهُ كَالْمَال الْمُسْتَفَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِهِ نِصَابٌ فَإِنَّهُ لاَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِلاَّ إِذَا قَبَضَ مِنْهُ نِصَابًا وَحَال عَلَيْهِ الْحَوْل عِنْدَهُ مُنْذُ قَبْضِهِ؛ لأَِنَّهُ بِقَبْضِهِ أَصْبَحَ مَالاً زَكَوِيًّا.
الثَّالِثُ: الدَّيْنُ الْمُتَوَسِّطُ: وَهُوَ مَا كَانَ ثَمَنَ عَرَضِ قُنْيَةٍ مِمَّا لاَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، كَثَمَنِ دَارِهِ أَوْ مَتَاعِهِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالْحَاجَةِ الأَْصْلِيَّةِ.
فَفِي رِوَايَةٍ، يُعْتَبَرُ مَالاً زَكَوِيًّا مِنْ حِينِ بَاعَ مَا بَاعَهُ فَتَثْبُتُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى مِنَ الْوَقْتِ، وَلاَ يَجِبُ الأَْدَاءُ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَتِمَّ مَا يَقْبِضُهُ مِنْهُ نِصَابًا، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لاَ يَبْتَدِئُ حَوْلُهُ إِلاَّ
مِنْ حِينِ يَقْبِضُ مِنْهُ نِصَابًا، لأَِنَّهُ حِينَئِذٍ أَصْبَحَ زَكَوِيًّا، فَصَارَ كَالْحَادِثِ ابْتِدَاءً. (1)
الأُْجُورُ الْمَقْبُوضَةُ سَلَفًا:
25 - مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، وَنَقَلَهُ الْكَاسَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْل الْبُخَارِيِّ الْحَنَفِيِّ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ الأُْجْرَةَ الْمُعَجَّلَةَ لِسِنِينَ إِذَا حَال عَلَيْهَا الْحَوْل تَجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ زَكَاتُهَا كُلِّهَا، لأَِنَّهُ يَمْلِكُهَا مِلْكًا تَامًّا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ. بِدَلِيل جَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ رُبَّمَا يَلْحَقُهُ دَيْنٌ بَعْدَ الْحَوْل بِالْفَسْخِ الطَّارِئِ. (2)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ زَكَاةَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِيمَا قَبَضَهُ مُقَدَّمًا إِلاَّ بِتَمَامِ مِلْكِهِ، فَلَوْ آجَرَ نَفْسَهُ ثَلاَثَ سِنِينَ بِسِتِّينَ دِينَارًا، كُل سَنَةٍ بِعِشْرِينَ، وَقَبَضَ السِّتِّينَ مُعَجَّلَةً وَلاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا، فَإِذَا مَرَّ عَلَى ذَلِكَ حَوْلٌ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْعِشْرِينَ الَّتِي هِيَ أُجْرَةُ السَّنَةِ الأُْولَى لَمْ يَتَحَقَّقْ مِلْكُهُ لَهَا إِلاَّ بِانْقِضَائِهَا؛ لأَِنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ بِمَثَابَةِ الْوَدِيعَةِ، فَلَمْ يَمْلِكْهَا حَوْلاً كَامِلاً، فَإِذَا مَرَّ الْحَوْل الثَّانِي زَكَّى عِشْرِينَ، وَإِذَا مَرَّ الثَّالِثُ زَكَّى أَرْبَعِينَ إِلاَّ مَا أَنْقَصَتْهُ الزَّكَاةُ، فَإِذَا مَرَّ الرَّابِعُ زَكَّى الْجَمِيعَ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الأَْظْهَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ: لاَ تَجِبُ إِلاَّ زَكَاةُ مَا اسْتَقَرَّ؛ لأَِنَّ مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ، فَتَجِبُ زَكَاةُ الْعِشْرِينَ الأُْولَى
__________
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 2 / 35، 36.
(2) البدائع 2 / 6، والمغني 3 / 47.

الصفحة 240