كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)
فَقَال: زِنْبَاعٌ: فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ فَقَال كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَكَذَا، فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبْدِ: اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ (1) . وَلَوِ اسْتَكْرَهَ عَبْدَهُ عَلَى الْفَاحِشَةِ بِلِوَاطٍ عَتَقَ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ الَّتِي لاَ تُطِيقُ الْوَطْءَ فَأَفْضَاهَا؛ لأَِنَّهُ فِي مَعْنَى التَّمْثِيل.
وَلاَ يَعْتِقُ بِخَدْشِهِ أَوْ ضَرْبِهِ أَوْ لَعْنِهِ (2) ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ (عِتْق) ، وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ بِالتَّمْثِيل بِهِ تَعَمُّدَ الشَّيْنِ الْمَعْنَوِيِّ كَحَلْقِ لِحْيَةِ عَبْدٍ تَاجِرٍ، أَوْ حَلْقِ شَعْرِ أَمَةٍ رَفِيعَةٍ. وَأَلْحَقُوا بِهِ أَيْضًا تَمْثِيل الرَّجُل بِعَبْدِ غَيْرِهِ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِصَاحِبِهِ، لَكِنْ لاَ يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ بِذَلِكَ إِلاَّ إِنْ كَانَتْ مَفْسَدَةً لِمَنَافِعِ الرَّقِيقِ كُلِّهَا أَوْ جُلِّهَا (3)
.
حُقُوقُ الرَّقِيقِ عَلَى سَيِّدِهِ:
24 - أَوَّلاً: نَفَقَةُ الْمَمْلُوكِينَ وَاجِبَةٌ عَلَى مَالِكِيهِمْ إِجْمَاعًا، لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنَ الأَْحَادِيثِ مِنْهَا قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ لاَ يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَل إِلاَّ مَا يُطِيقُ (4) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَفَى
__________
(1) حديث: " أن زنباعًا وجد غلامًا له مع جارية ". أخرجه أحمد (2 / 182 - ط الميمنية) وذكره الهيثمي في المجمع (6 / 288 - ط المقدسي) وقال: " رجاله ثقات ".
(2) كشاف القناع 4 / 514، والزرقاني 8 / 130 - 131.
(3) الزرقاني وحاشية البناني 8 / 129 و6 / 147.
(4) حديث: " للمملوك طعامه وكسوته ". أخرجه مسلم (3 / 1284 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ (1) . وَلأَِنَّهُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ نَفَقَةٍ، وَمَنَافِعُهُ لِسَيِّدِهِ، وَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ.
وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرُ كِفَايَتِهِ.
وَسَوَاءٌ أَكَانَ الرَّقِيقُ مُوَافِقًا فِي الدِّينِ لِمَالِكِهِ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ.
وَالسَّيِّدُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَجْعَل نَفَقَتَهُ مِنْ كَسْبِهِ إِنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ كَسْبَهُ أَوْ يَجْعَلَهُ بِرَسْمِ خِدْمَتِهِ وَيُنْفِقَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؛ لأَِنَّ الْكُل مَالُهُ.
وَإِنْ كَانَ لِلْمَمْلُوكِ كَسْبٌ أَكْثَرُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَجَعَل السَّيِّدُ نَفَقَتَهُ فِي كَسْبِهِ، فَلِلسَّيِّدِ أَخْذُ الزَّائِدِ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ لاَ يَكْفِي لِنَفَقَتِهِ فَعَلَى سَيِّدِهِ إِتْمَامُهَا. وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ.
وَالْوَاجِبُ مِنَ الإِْطْعَامِ كِفَايَتُهُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَأُدْمِ مِثْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ.
وَالْوَاجِبُ مِنَ الْكِسْوَةِ الْمَعْرُوفُ مِنْ غَالِبِ الْكِسْوَةِ لأَِمْثَال الْمَمْلُوكِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ. وَيَجِبُ لَهُ الْغِطَاءُ وَالْوِطَاءُ وَالْمَسْكَنُ وَالْمَاعُونُ. وَلاَ يَجُوزُ الاِقْتِصَارُ فِي الْكِسْوَةِ عَلَى مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَإِنْ كَانَ لاَ يَتَأَذَّى بِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ.
فَإِنِ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنَ الإِْنْفَاقِ الْوَاجِبِ لِعُسْرِهِ
__________
(1) حديث: " كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته ". أخرجه مسلم (2 / 692 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمرو.
الصفحة 25