كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)

وَهَذَا يَقْتَضِي أَمْرَيْنِ:
الأَْوَّل: أَنْ يَتَجَنَّبَ السَّاعِي طَلَبَ خِيَارِ الْمَال، مَا لَمْ يُخْرِجْهُ الْمَالِكُ طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّاعِي: إِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ (1) .
قَال عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِسَاعِيهِ: لاَ تَأْخُذِ الرُّبَى، وَلاَ الْمَاخِضَ، وَلاَ الأَْكُولَةَ، وَلاَ فَحْل الْغَنَمِ وَالرُّبَى هِيَ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلاَدَةِ؛ لأَِنَّهَا تُرَبِّي وَلَدَهَا. وَالْمَاخِضُ الْحَامِل، وَالأَْكُولَةُ الَّتِي تَأْكُل كَثِيرًا؛ لأَِنَّهَا تَكُونُ أَسْمَنَ، وَفَحْل الْغَنَمِ هُوَ الْمُعَدُّ لِلضِّرَابِ.
فَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَةُ الرَّجُل كُلُّهَا خِيَارًا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فَقِيل: يَأْخُذُ السَّاعِي مِنْ أَوْسَطِ الْمَوْجُودِ، وَقِيل: يُكَلَّفُ شِرَاءَ الْوَسَطِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ.
الأَْمْرُ الثَّانِي: أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْ شِرَارِ الْمَال، وَمِنْهُ الْمَعِيبَةُ، وَالْهَرِمَةُ، وَالْمَرِيضَةُ، لَكِنْ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مَعِيبَةً أَوْ هَرِمَةً أَوْ مَرِيضَةً، فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْوَاجِبِ مِنْهَا، وَقِيل: يُكَلَّفُ شِرَاءَ صَحِيحَةٍ أَخْذًا بِظَاهِرِ النَّهْيِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ، وَقِيل: يُخْرِجُ صَحِيحَةً مَعَ مُرَاعَاةِ الْقِيمَةِ (2) .
__________
(1) حديث: " إياك وكرائم أموالهم ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 357 - ط السلفية) من حديث ابن عباس.
(2) المغني 2 / 600 - 603، وابن عابدين 2 / 18، والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 435، وشرح المنهاج 2 / 10.
زَكَاةُ الْخَيْل:
65 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْخَيْل الَّتِي لَيْسَتْ لِلتِّجَارَةِ لاَ زَكَاةَ فِيهَا وَلَوْ كَانَتْ سَائِمَةً وَاتُّخِذَتْ لِلنَّمَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَامِلَةً أَوْ غَيْرَ عَامِلَةٍ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلاَمِهِ صَدَقَةٌ (1) وَقَوْلِهِ: قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْل وَالرَّقِيقِ (2) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الْخَيْل إِذَا كَانَتْ سَائِمَةً ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَلَيْسَ فِي ذُكُورِهَا مُنْفَرِدَةً زَكَاةٌ، لأَِنَّهَا لاَ تَتَنَاسَل، وَكَذَلِكَ فِي الإِْنَاثِ مُنْفَرِدَاتٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الإِْنَاثِ الْمُنْفَرِدَاتِ زَكَاةٌ لأَِنَّهَا تَتَنَاسَل بِالْفَحْل الْمُسْتَعَارِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَاتِ أَيْضًا.
وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَيْل: هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَال فِي الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ: وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلاَ فِي
__________
(1) حديث: " ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 327 - ط السلفية) ومسلم (2 / 676 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، ولفظ مسلم: " وعبده ".
(2) حديث: " قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق ". أخرجه الترمذي (3 / 16 - ط الحلبي) من حديث علي بن أبي طالب، ونقل عن البخاري أنه صححه.

الصفحة 261