كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)

يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ مِنْ كُل الأَْمْوَال، إِلَى أَنْ فَوَّضَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خِلاَفَتِهِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ عَنِ الأَْمْوَال الْبَاطِنَةِ إِلَى مُلاَّكِهَا، كَمَا يَأْتِي (1) .
وَدَلِيل ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (2) وَقَوْل أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ وَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ.
وَيَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ بَعْثُ السُّعَاةِ لأَِخْذِ الصَّدَقَاتِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا يَبْعَثُونَ السُّعَاةَ، وَلأَِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ يَمْلِكُ الْمَال وَلاَ يَعْرِفُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْخَل. وَالْوُجُوبُ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْمَالِكِيَّةِ (3) ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} .
وَاَلَّذِينَ رَخَّصُوا لِلإِْمَامِ فِي عَدَمِ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ جَمِيعِ الأَْمْوَال أَوْ مِنْ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، إِنَّمَا هُوَ إِذَا عَلِمَ الإِْمَامُ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُمْ أَخْرَجُوهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، أَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّ إِنْسَانًا مِنَ النَّاسِ أَوْ جَمَاعَةً مِنْهُمْ لاَ يُخْرِجُونَ الزَّكَاةَ فَيَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ أَخْذُهَا مِنْهُمْ وَلَوْ قَهْرًا، كَمَا
__________
(1) العناية على الهداية بهامش فتح القدير 1 / 487.
(2) سورة التوبة / 103.
(3) المجموع 6 / 167، 168، والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 443.
تَقَدَّمَ؛ لأَِنَّ الإِْمَامَةَ لِحِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا، وَمَنْعُ الزَّكَاةِ هَدْمٌ لِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ (1) .

حُكْمُ دَفْعِ الزَّكَاةِ إِلَى الإِْمَامِ الْعَادِل:
142 - الْمُرَادُ بِالإِْمَامِ الْعَادِل هُنَا مَنْ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ بِحَقِّهَا، وَيُعْطِيهَا لِمُسْتَحِقِّهَا، وَلَوْ كَانَ جَائِرًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ.
وَمَنْ دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إِلَى الإِْمَامِ الْعَادِل جَازَ، وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ اتِّفَاقًا.
وَلَوْ كَانَ بِإِمْكَانِهِ دَفْعُهَا إِلَى الإِْمَامِ وَتَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:
فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَهُوَ الْقَدِيمُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الأَْمْوَال الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ الزُّرُوعُ، وَالْمَوَاشِي، وَالْمَعَادِنِ، وَنَحْوِهَا، وَبَيْنَ الأَْمْوَال الْبَاطِنَةِ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالتِّجَارَاتُ.
فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَيَجِبُ دَفْعُهَا إِلَى الإِْمَامِ، لأَِنَّ أَبَا بَكْرٍ طَالَبَهُمْ بِالزَّكَاةِ وَقَاتَلَهُمْ عَلَيْهَا، وَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ عَلَى هَذَا، فَلَيْسَ لِلْمُزَكِّي إِخْرَاجُهَا بِنَفْسِهِ، حَتَّى لَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهَا كَذَلِكَ لَمْ تُجْزِئْهُ.
وَلأَِنَّ مَا لِلإِْمَامِ قَبْضُهُ بِحُكْمِ الْوِلاَيَةِ لاَ يَجُوزُ دَفْعُهُ إِلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ.
__________
(1) المغني 2 / 572 - 575، وشرح منتهى الإرادات 1 / 417.

الصفحة 304