كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)

وَالْمِسْكِينُ مِفْعِيلٌ مِنَ السُّكُونِ، وَمَنْ كُسِرَ صُلْبُهُ أَشَدُّ حَالاً مِنَ السَّاكِنِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ أَشَدُّ حَاجَةً مِنَ الْفَقِيرِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَال: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (1) . وَهُوَ الْمَطْرُوحُ عَلَى التُّرَابِ لِشِدَّةِ جُوعِهِ، وَبِأَنَّ أَئِمَّةَ اللُّغَةِ قَالُوا ذَلِكَ، مِنْهُمُ الْفَرَّاءُ وَثَعْلَبٌ وَابْنُ قُتَيْبَةَ، وَبِالاِشْتِقَاقِ أَيْضًا، فَهُوَ مِنَ السُّكُونِ، كَأَنَّهُ عَجَزَ عَنِ الْحَرَكَةِ فَلاَ يَبْرَحُ.
وَنَقَل الدُّسُوقِيُّ قَوْلاً أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَنْ لاَ يَمْلِكُ قُوتَ عَامِهِ، سَوَاءٌ كَانَ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا أَوْ يَمْلِكُ أَقَل مِنْ قُوتِ الْعَامِ (2) .
158 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ كُلٍّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ:
فَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: الْفَقِيرُ مَنْ لاَ مَال لَهُ وَلاَ كَسْبَ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ، كَمَنْ حَاجَتُهُ عَشَرَةٌ فَلاَ يَجِدُ شَيْئًا أَصْلاً، أَوْ يَقْدِرُ بِمَالِهِ وَكَسْبِهِ وَمَا يَأْتِيهِ مِنْ غَلَّةٍ وَغَيْرِهَا عَلَى أَقَل مِنْ نِصْفِ كِفَايَتِهِ. فَإِنْ كَانَ يَجِدُ النِّصْفَ أَوْ أَكْثَرَ وَلاَ يَجِدُ كُل الْعَشَرَةِ فَمِسْكِينٌ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: الْمِسْكِينُ مَنْ لاَ يَجِدُ شَيْئًا أَصْلاً فَيَحْتَاجُ لِلْمَسْأَلَةِ وَتَحِل لَهُ.
__________
(1) سورة البلد / 16.
(2) المغني 6 / 420، وفتح القدير 2 / 15، 16، والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 492، والمحلي على المنهاج 3 / 196.
وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ فِي الْفَقِيرِ:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَهُوَ مَا دُونَ النِّصَابِ، فَإِذَا مَلَكَ نِصَابًا مِنْ أَيِّ مَالٍ زَكَوِيٍّ فَهُوَ غَنِيٌّ لاَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنَ الزَّكَاةِ، فَإِنْ مَلَكَ أَقَل مِنْ نِصَابٍ فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَ نِصَابًا غَيْرَ نَامٍ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْحَاجَةِ الأَْصْلِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا مُنِعَ، كَمَنْ عِنْدَهُ ثِيَابٌ تُسَاوِي نِصَابًا لاَ يَحْتَاجُهَا، فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَكُونُ حَرَامًا عَلَيْهِ، وَلَوْ بَلَغَتْ قِيمَةُ مَا يَمْلِكُهُ نُصُبًا فَلاَ يَمْنَعُ ذَلِكَ كَوْنَهُ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلزَّكَاةِ إِنْ كَانَتْ مُسْتَغْرَقَةً بِالْحَاجَةِ الأَْصْلِيَّةِ كَمَنْ عِنْدَهُ كُتُبٌ يَحْتَاجُهَا لِلتَّدْرِيسِ، أَوْ آلاَتُ حِرْفَةٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْفَقِيرُ مَنْ يَمْلِكُ شَيْئًا لاَ يَكْفِيهِ لِقُوتِ عَامِهِ (1) .

الْغِنَى الْمَانِعُ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ بِوَصْفِ الْفَقْرِ أَوِ الْمَسْكَنَةِ:
159 - الأَْصْل أَنَّ الْغَنِيَّ لاَ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَهَذَا اتِّفَاقِيٌّ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ (2) .
وَلَكِنِ اخْتُلِفَ فِي الْغِنَى الْمَانِعِ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ:
__________
(1) فتح القدير 2 / 15، والدسوقي 1 / 493.
(2) حديث: " لا حظ فيها لغني. . . . " أخرجه أبو داود (2 / 285 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار، وصححه ابن عبد الهادي كما في نصب الراية (2 / 401 - ط دار المجلس العلمي) .

الصفحة 313