كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)

فَقَال الْجُمْهُورُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَدَّمَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ: إِنَّ الأَْمْرَ مُعْتَبَرٌ بِالْكِفَايَةِ، فَمَنْ وَجَدَ مِنَ الأَْثْمَانِ أَوْ غَيْرِهَا مَا يَكْفِيهِ وَيَكْفِي مَنْ يُمَوِّنُهُ فَهُوَ غَنِيٌّ لاَ تَحِل لَهُ الزَّكَاةُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ حَلَّتْ لَهُ وَلَوْ كَانَ مَا عِنْدَهُ يَبْلُغُ نُصُبًا زَكَوِيَّةً، وَعَلَى هَذَا، فَلاَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُوجَدَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلزَّكَاةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: هُوَ الْغِنَى الْمُوجِبُ لِلزَّكَاةِ، فَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لاَ يَحِل لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ (1) .
وَمَنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنْ أَيِّ مَالٍ زَكَوِيٍّ كَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُدْفَعَ إِلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانَ مَا عِنْدَهُ لاَ يَكْفِيهِ لِعَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا كَامِلاً فَهُوَ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ، فَيَجُوزُ أَنْ تُدْفَعَ إِلَيْهِ الزَّكَاةُ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَلَيْهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: إِنْ وَجَدَ كِفَايَتَهُ، فَهُوَ غَنِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَكَانَ لَدَيْهِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ خَاصَّةً، فَهُوَ غَنِيٌّ كَذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ لاَ تَكْفِيهِ،
__________
(1) حديث: " إن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من. . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 357 - ط السلفية) من حديث ابن عباس.
لِحَدِيثِ مَنْ سَأَل النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ. قَالُوا يَا رَسُول اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَال: خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ (1) . وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ الأَْثْمَانِ وَغَيْرِهَا اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ (2) .

وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيل فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ:

إِعْطَاءُ الزَّكَاةِ لِمَنْ لاَ يَمْلِكُ مَالاً وَلَهُ مَوْرِدُ رِزْقٍ:
160 - مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَوْ لَهُ مَالٌ لاَ يَكْفِيهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنَ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، إِلاَّ أَنَّ مَنْ لَزِمَتْ نَفَقَتُهُ مَلِيئًا مِنْ نَحْوِ وَالِدٍ لاَ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ، وَكَذَا لاَ تُعْطَى الزَّوْجَةُ لاِسْتِغْنَائِهَا بِإِنْفَاقِ زَوْجِهَا عَلَيْهَا. وَمَنْ لَهُ مُرَتَّبٌ يَكْفِيهِ لَمْ يَجُزْ إِعْطَاؤُهُ مِنَ الزَّكَاةِ. وَكَذَا مَنْ كَانَ لَهُ صَنْعَةٌ تَكْفِيهِ وَإِنْ كَانَ لاَ يَمْلِكُ فِي الْحَال مَالاً.
فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الأَْسْبَابِ يَأْتِيهِ مِنْهُ أَقَل مِنْ كِفَايَتِهِ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ تَمَامَ الْكِفَايَةِ (3) .
وَنَقَل النَّوَوِيُّ أَنَّ مَنْ لَهُ ضَيْعَةٌ تَغُل بَعْضَ كِفَايَتِهِ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ بَيْعُهَا لِتَحِل لَهُ الزَّكَاةُ،
__________
(1) حديث: " من سأل الناس وله ما يغنيه جاءت مسألته. . . " أخرجه الترمذي (3 / 32 - ط الحلبي) من حديث ابن مسعود، وقال: " حديث حسن ".
(2) فتح القدير 2 / 27، والإنصاف 3 / 223، وشرح منتهى الإرادات 1 / 424، 425.
(3) الشرح الكبير والدسوقي 1 / 492، 493، وشرح المنهاج 3 / 196، والمجموع 6 / 191، والمغني 6 / 424.

الصفحة 314