كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)

الصِّنْفُ الرَّابِعُ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ:
167 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِنْفِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ: فَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ بَاقٍ لَمْ يَسْقُطْ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ سَهْمَهُمُ انْقَطَعَ لِعِزِّ الإِْسْلاَمِ، فَلاَ يُعْطَوْنَ الآْنَ، لَكِنْ إِنِ احْتِيجَ لاِسْتِئْلاَفِهِمْ فِي بَعْضِ الأَْوْقَاتِ أُعْطُوا.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لَعَل مَعْنَى قَوْل أَحْمَدَ: انْقَطَعَ سَهْمُهُمْ، أَيْ لاَ يُحْتَاجُ إِلَيْهِمْ فِي الْغَالِبِ، أَوْ أَرَادَ أَنَّ الأَْئِمَّةَ لاَ يُعْطُونَهُمُ الْيَوْمَ شَيْئًا، فَأَمَّا إِنِ احْتِيجَ إِلَى إِعْطَائِهِمْ جَازَ الدَّفْعُ إِلَيْهِمْ، فَلاَ يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِمْ إِلاَّ مَعَ الْحَاجَةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى سُقُوطِ سَهْمِهِمْ مِنَ الزَّكَاةِ (1) لِمَا وَرَدَ أَنَّ الأَْقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ جَاءَا يَطْلُبَانِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَرْضًا، فَكَتَبَ لَهُمَا بِذَلِكَ، فَمَرَّا عَلَى عُمَرَ، فَرَأَى الْكِتَابَ فَمَزَّقَهُ، وَقَال: هَذَا شَيْءٌ كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيكُمُوهُ لِيَتَأَلَّفَكُمْ، وَالآْنَ قَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الإِْسْلاَمَ وَأَغْنَى عَنْكُمْ، فَإِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الإِْسْلاَمِ، وَإِلاَّ فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ السَّيْفُ، فَرَجَعَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالاَ، مَا نَدْرِي: الْخَلِيفَةُ أَنْتَ أَمْ
__________
(1) فتح القدير 2 / 14، والمغني 6 / 427، والدسوقي 1 / 495.
عُمَرُ؟ فَقَال: هُوَ إِنْ شَاءَ، وَوَافَقَهُ. وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ (1) .
168 - ثُمَّ اخْتَلَفُوا:
فَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ كُفَّارٌ يُعْطَوْنَ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الإِْسْلاَمِ لأَِجْل أَنْ يُعِينُوا الْمُسْلِمِينَ، فَعَلَيْهِ لاَ تُعْطَى الزَّكَاةُ لِمَنْ أَسْلَمَ فِعْلاً. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُعْطَى مِنْ هَذَا السَّهْمِ لِكَافِرٍ أَصْلاً، لأَِنَّ الزَّكَاةَ لاَ تُعْطَى لِكَافِرٍ، لِلْحَدِيثِ: تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ (2) بَل تُعْطَى لِمَنْ أَسْلَمَ فِعْلاً، وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخْرَى لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ الإِْعْطَاءُ مِنَ الزَّكَاةِ لِلْمُؤَلَّفِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا.
وَعِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَقْوَالٌ بِمِثْل هَذَا.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ ضَرْبَانِ: كُفَّارٌ وَمُسْلِمُونَ، وَهُمْ جَمِيعًا السَّادَةُ الْمُطَاعُونَ فِي قَوْمِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَضْرُبٍ:
1 - سَادَةٌ مُطَاعُونَ فِي قَوْمِهِمْ أَسْلَمُوا وَنِيَّتُهُمْ
__________
(1) الأثر: أخرجه البيهقي (7 / 20 - ط دائرة المعارف العثمانية) بلفظ مقارب.
(2) حديث: " تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ". تقدم تخريجه ف / 33.

الصفحة 319