كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)

يُقْعِدُهُ عَنِ الْجِهَادِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْغَازِي مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ لاَ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْغَازِي أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، لِكَوْنِهِ مُسْلِمًا ذَكَرًا بَالِغًا قَادِرًا، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ آل الْبَيْتِ.
وَأَمَّا جُنُودُ الْجَيْشِ الَّذِينَ لَهُمْ نَصِيبٌ فِي الدِّيوَانِ فَلاَ يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ، وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنِ امْتَنَعَ إِعْطَاؤُهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَال لِضَعْفِهِ، يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ (1) .

الضَّرْبُ الثَّانِي: مَصَالِحُ الْحَرْبِ
173 - وَهَذَا الضَّرْبُ ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ، فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ الصَّرْفُ مِنَ الزَّكَاةِ فِي مَصَالِحِ الْجِهَادِ الأُْخْرَى غَيْرِ إِعْطَاءِ الْغُزَاةِ، نَحْوِ بِنَاءِ أَسْوَارٍ لِلْبَلَدِ لِحِفْظِهَا مِنْ غَزْوِ الْعَدُوِّ، وَنَحْوِ بِنَاءِ الْمَرَاكِبِ الْحَرْبِيَّةِ، وَإِعْطَاءِ جَاسُوسٍ يَتَجَسَّسُ لَنَا عَلَى الْعَدُوِّ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا.
وَأَجَازَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يُشْتَرَى مِنَ الزَّكَاةِ السِّلاَحُ وَآلاَتُ الْحَرْبِ وَتُجْعَل وَقْفًا يَسْتَعْمِلُهَا الْغُزَاةُ ثُمَّ يَرُدُّونَهَا، وَلَمْ يُجِزْهُ الْحَنَابِلَةُ.
__________
(1) المغني 6 / 436، وابن عابدين 2 / 61، وفتح القدير 2 / 17، والشرح الكبير مع الدسوقي 1 / 497، والمجموع 6 / 212، 213.
وَظَاهِرُ صَنِيعِ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ - إِذْ قَصَرُوا سَهْمَ سَبِيل اللَّهِ عَلَى الْغُزَاةِ، أَوِ الْغُزَاةِ وَالْحُجَّاجِ، أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الصَّرْفُ مِنْهُ فِي هَذَا الضَّرْبِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لاَ تَمْلِيكَ فِيهِ، أَوْ فِيهِ تَمْلِيكٌ لِغَيْرِ أَهْل الزَّكَاةِ، أَوْ كَمَا قَال أَحْمَدُ: لأَِنَّهُ لَمْ يُؤْتِ الزَّكَاةَ لأَِحَدٍ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِيتَائِهَا (1) .

الضَّرْبُ الثَّالِثُ: الْحُجَّاجُ:
174 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الصَّرْفُ فِي الْحَجِّ مِنَ الزَّكَاةِ؛ لأَِنَّ سَبِيل اللَّهِ فِي آيَةِ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ مُطْلَقٌ، وَهُوَ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ يَنْصَرِفُ إِلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّهِ تَعَالَى، لأَِنَّ الأَْكْثَرَ مِمَّا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قُصِدَ بِهِ الْجِهَادُ، فَتُحْمَل الآْيَةُ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، إِلَى أَنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيل اللَّهِ فَيُصْرَفُ فِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً جَعَل نَاقَتَهُ فِي سَبِيل اللَّهِ، فَأَرَادَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تَحُجَّ، فَقَال لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهَلاَّ خَرَجْتِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيل اللَّهِ (2) فَعَلَى هَذَا
__________
(1) الدسوقي والشرح الكبير 1 / 497، والمجموع 6 / 212، 213، والمغني 6 / 436، 437
(2) حديث: " فهلا خرجت عليه فإن الحج من سبيل الله ". أخرجه أبو داود (2 / 504 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والحاكم (1 / 483 - 484 ط دائرة المعارف العثمانية) وضعف الذهبي أحد رواته، ولكن له شواهد يتقوى بها.

الصفحة 323