كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)

عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ كُل مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُخْرِجُهُ لِجَمِيعِهِمْ بَدَأَ بِنَفْسِهِ، فَزَوْجَتِهِ، فَأُمِّهِ، فَأَبِيهِ، ثُمَّ الأَْقْرَبِ فَالأَْقْرَبِ عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ الإِْرْثِ، فَالأَْبُ وَإِنْ عَلاَ مُقَدَّمٌ عَلَى الأَْخِ الشَّقِيقِ، وَالأَْخُ الشَّقِيقُ مُقَدَّمٌ عَلَى الأَْخِ لأَِبٍ. أَمَّا ابْنُهُ الصَّغِيرُ الْغَنِيُّ فَيُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ (1) .

سَبَبُ الْوُجُوبِ وَوَقْتُهُ:
8 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ لِلْمَالِكِيَّةِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: أَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْل خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ (2) . دَل الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ أَدَاءَهَا الَّذِي نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّارِعُ هُوَ قَبْل الْخُرُوجِ إِلَى مُصَلَّى الْعِيدِ، فَعُلِمَ أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهَا هُوَ يَوْمُ الْفِطْرِ، وَلأَِنَّ تَسْمِيَتَهَا صَدَقَةَ الْفِطْرِ، تَدُل عَلَى أَنَّ وُجُوبَهَا بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْفِطْرِ؛ لأَِنَّ الْفِطْرَ إِنَّمَا يَكُونُ بِطُلُوعِ فَجْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَيْسَ بِفِطْرٍ؛ لأَِنَّهُ فِي كُل لَيْلَةٍ مِنْ
__________
(1) المغني 1 / 646 وما بعدها، وكشاف القناع 1 / 471.
(2) حديث: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر. . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 375 - ط السلفية) ومسلم (2 / 679 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
لَيَالِيِ رَمَضَانَ يَصُومُ وَيُفْطِرُ، فَيُعْتَبَرُ مُفْطِرًا مِنْ صَوْمِهِ بِطُلُوعِ ذَلِكَ الْيَوْمِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّ الْوُجُوبَ هُوَ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْمَالِكِيَّةِ (2) ، لِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَرَضَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْل الصَّلاَةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ (3) .
دَل الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ تَجِبُ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَضَافَ الصَّدَقَةَ إِلَى الْفِطْرِ، وَالإِْضَافَةُ تَقْتَضِي الاِخْتِصَاصَ، أَيِ الصَّدَقَةَ الْمُخْتَصَّةَ بِالْفِطْرِ، وَأَوَّل فِطْرٍ يَقَعُ عَنْ جَمِيعِ رَمَضَانَ هُوَ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ.
وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلاَفِ فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ: فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ تُخْرَجُ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لأَِنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ وُجُوبِهَا، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ
__________
(1) الزيلعي 1 / 307 وما بعدها، تحفة الفقهاء ج1 في صدقة الفطر، بلغة السالك 1 / 201 وما بعدها، بداية المجتهد 1 / 144 ما بعدها.
(2) شرح المنهاج 1 / 528 وما بعدها، كشاف القناع 1 / 471 وما بعدها.
(3) حديث: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم. . . " تقدم ف / 2.

الصفحة 340