كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)

وَالْكَمَال فِي مَالٍ وَاحِدٍ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى - وَرَجَّحَهَا ابْنُ قُدَامَةَ - إِلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إِذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ؛ لأَِنَّهُ آدَمِيٌّ حَيٌّ حُجِرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّمَلُّكِ مَلَكَ، لِثُبُوتِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الآْدَمِيَّةُ مَعَ الْحَيَاةِ وَزَوَال الْمَانِعِ، وَقِيَاسًا عَلَى مِلْكِهِ لِلنِّكَاحِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ وَلأَِنَّهُ بِالآْدَمِيَّةِ يَتَمَهَّدُ لِلْمِلْكِ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَال لِبَنِي آدَمَ لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِوَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ، وَأَحْكَامِ التَّكَالِيفِ، وَالرَّقِيقُ آدَمِيٌّ فَتَمَهَّدَ لِلْمِلْكِ، وَصَلَحَ لَهُ، كَمَا تَمَهَّدَ لِلتَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَةِ (1) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ مَلَّكَهُ غَيْرُ سَيِّدِهِ مَالاً لاَ يَمْلِكُ، وَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَلِلسَّيِّدِ الرُّجُوعُ فِي الْمَال الَّذِي مَلَّكَهُ إِيَّاهُ مَتَى شَاءَ السَّيِّدُ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ التَّصَرُّفُ فِيمَا مَلَّكَهُ إِيَّاهُ سَيِّدُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ (2) .
50 - وَإِذَا مَاتَ الرَّقِيقُ الْمُمَلَّكُ ارْتَفَعَ مِلْكُهُ عَنِ الْمَال، وَلاَ يُورَثُ عَنْهُ، بَل يَكُونُ لِسَيِّدِهِ. وَإِذَا أَتْلَفَ إِنْسَانٌ الْمَال الَّذِي مَلَّكَهُ السَّيِّدُ لِرَقِيقِهِ يَنْقَطِعُ مِلْكُ الْعَبْدِ عَنْهُ وَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ، وَالْمُطَالَبَةُ لَهُ دُونَ الْعَبْدِ (3) .
__________
(1) المغني 4 / 174 و2 / 623، 625، والحموي على الأشباه 2 / 153، والزرقاني 3 / 196، و8 / 126.
(2) روضة الطالبين 3 / 574 و10 / 26، والزرقاني 8 / 126.
(3) روضة الطالبين 3 / 26.
وَتَنْبَنِي عَلَى قَاعِدَةِ الْمِلْكِ هَذِهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الرَّقِيقِ مِنْهَا: أَنَّهُ هَل عَلَيْهِ زَكَاةٌ، وَهَل يُضَحِّي، وَهَل يُكَفِّرُ بِالإِْطْعَامِ، وَهَل يَتَسَرَّى؟ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي بَيَانُهُ.

الأَْصْل الثَّالِثُ: الأَْمْوَال الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّقِيقِ:
قَسَّمَ السُّيُوطِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ الأَْمْوَال الْمُتَعَلِّقَةَ بِالرَّقِيقِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:
51 - الأَْوَّل: مَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ، فَيُبَاعُ فِيهِ، وَهُوَ أَرْشُ جِنَايَاتِهِ وَبَدَل مَا يُتْلِفُهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِعْلُهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَمْ لاَ، لِوُجُوبِهِ بِغَيْرِ رِضَا الْمُسْتَحِقِّ، وَهَذَا إِنْ كَانَ فِعْلُهُ مُعْتَبَرًا بِأَنْ كَانَ عَاقِلاً مُمَيِّزًا، فَلَوْ كَانَ صَغِيرًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَوْ مَجْنُونًا، فَلاَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ ضَمَانٌ عَلَى الأَْصَحِّ.
52 - الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، فَلاَ يُبَاعُ فِيهِ، وَلاَ يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَدَاؤُهُ، بَل يُطَالَبُ بِهِ مَتَى عَتَقَ، وَهُوَ مَا وَجَبَ بِرِضَا الْمُسْتَحِقِّ كَبَدَل الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ إِذَا أَتْلَفَهُمَا. وَلَوْ نَكَحَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ وَوَطِئَ تَعَلَّقَ مَهْرُ الْمِثْل بِذِمَّتِهِ، لِكَوْنِهِ وَجَبَ بِرِضَا الْمُسْتَحِقِّ، وَقِيل بِرَقَبَتِهِ؛ لأَِنَّهُ إِتْلاَفٌ، وَلَوْ أَفْطَرَتِ الْجَارِيَةُ فِي رَمَضَانَ لِحَمْلٍ أَوْ رَضَاعٍ خَوْفًا عَلَى الْوَلَدِ فَالْفِدْيَةُ فِي ذِمَّتِهَا.
53 - الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِ الْعَبْدِ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِرِضَا الْعَبْدِ وَالسَّيِّدِ، وَهُوَ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ، إِذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي النِّكَاحِ فَنَكَحَ، وَهُوَ كَسُوبٌ، أَوْ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ ضَمِنَ بِإِذْنِ

الصفحة 40