كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)
وَمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُحَرَّمٌ يَأْثَمُ فَاعِلُهُ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (1) .
الاِسْتِمْتَاعُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ:
68 - لَيْسَ لِلْمَالِكِ الذَّكَرِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِمَمْلُوكِهِ الذَّكَرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ دَاخِلاً فِيمَا أَبَاحَتْهُ الآْيَةُ السَّابِقَةُ، بَل هُوَ لِوَاطَةٌ مُحَرَّمَةٌ تَدْخُل فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عَمَل قَوْمِ لُوطٍ الَّذِي عُذِّبُوا بِهِ عَلَى مَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ.
وَكَذَا إِنْ كَانَ الْمَالِكُ امْرَأَةً وَالْمُسْتَمْتَعُ بِهِ الْمَمْلُوكَةَ الأُْنْثَى لاَ يَدْخُل فِيمَا أَبَاحَتْهُ الآْيَةُ السَّابِقَةُ، بَل هُوَ مِنَ السِّحَاقِ الْمُحَرَّمِ.
وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ الْمَالِكُ امْرَأَةً وَالْمَمْلُوكُ ذَكَرًا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَسْتَمْتِعَ بِهِ، أَوْ أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَلاَ لَهُ أَنْ يَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَل هُوَ عَلَيْهَا حَرَامٌ، وَهِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ خَلِيَّةً، أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ. قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَعَلَى هَذَا إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ. ا. هـ.
وَكَمَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَإِنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً، أَيْ مَا دَامَ رَقِيقًا لَهَا، فَإِنْ أَعْتَقَتْهُ أَوْ بَاعَتْهُ جَازَ لَهَا النِّكَاحُ بِشُرُوطِهِ. وَقَدْ نَقَل ابْنُ الْمُنْذِرِ الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ عَبْدَهَا بَاطِلٌ.
__________
(1) سورة المؤمنون / 5 - 7.
وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الأَْنْوَاعِ الثَّلاَثَةِ السَّابِقَةِ الْوَطْءُ وَمُقَدِّمَاتُهُ مِنَ التَّقْبِيل، وَالْمُبَاشَرَةِ، وَاللَّمْسِ، وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ، كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ بِحَسَبِهَا.
وَوَجْهُ خُرُوجِ هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ (اسْتِمْتَاعُ الْمَالِكَةِ بِمَمْلُوكِهَا) مِنْ دَلاَلَةِ الآْيَةِ، أَنَّ الآْيَةَ خَاطَبَتِ الأَْزْوَاجَ مِنَ الرِّجَال. قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْ غَرِيبِ الْقُرْآنِ، أَنَّ هَذِهِ الآْيَاتِ الْعَشْرِ مِنْ أَوَّل سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ عَامَّةٌ فِي الرِّجَال وَالنِّسَاءِ، إِلاَّ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (1) فَإِنَّمَا خَاطَبَ بِهَا الرِّجَال خَاصَّةً دُونَ الزَّوْجَاتِ، بِدَلِيل قَوْلِهِ {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (2) وَإِنَّمَا عُرِفَ حِفْظُ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى، كَآيَاتِ الإِْحْصَانِ عُمُومًا وَخُصُوصًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْدِلَّةِ ". (3) وَنَقَل ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ امْرَأَةً اتَّخَذَتْ مَمْلُوكَهَا، وَقَالَتْ: تَأَوَّلْتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قَال: فَأُتِيَ بِهَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَضَرَبَ الْعَبْدَ، وَجَزَّ رَأْسَهُ (4) وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى عُمَرَ بِالْجَابِيَةِ وَقَدْ نَكَحَتْ عَبْدَهَا، فَانْتَهَرَهَا عُمَرُ، وَهَمَّ أَنْ يَرْجُمَهَا، وَقَال: لاَ يَحِل لَكِ (5) .
__________
(1) سورة المؤمنون / 5.
(2) سورة المؤمنون / 6.
(3) القرطبي 12 / 105.
(4) تفسير ابن كثير 3 / 239.
(5) المغني 6 / 610.
الصفحة 46