كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)
وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) . وَقَدْ أَخَذَ الأَْئِمَّةُ أَكْثَرَ أَحْكَامِ هَذَا النِّكَاحِ مِنْ هَذِهِ الآْيَةِ.
فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الأَْصْل تَحْرِيمُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الزَّوَاجِ وَأَنَّهُ لاَ يَحِل، وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ مَا لَمْ تَجْتَمِعْ شُرُوطٌ مُعَيَّنَةٌ تُفِيدُهَا الآْيَةُ. وَأَنَّ الْجَوَازَ إِذَا اجْتَمَعَتِ الشُّرُوطُ هُوَ مِنْ بَابِ الرُّخْصَةِ.
وَقَالُوا فِي حِكْمَةِ هَذَا التَّحْرِيمِ: إِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الزَّوَاجِ يُؤَدِّي إِلَى رِقِّ الْوَلَدِ؛ لأَِنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لأُِمِّهِ حُرِّيَّةً وَرِقًّا، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْغَضَاضَةِ عَلَى الْحُرِّ بِكَوْنِ زَوْجَتِهِ أَمَةً تُمْتَهَنُ فِي حَوَائِجِ سَيِّدِهَا وَحَوَائِجِ أَهْلِهِ. وَلِذَا قَال عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّمَا حُرٍّ تَزَوَّجَ أَمَةً فَقَدْ أَرَقَّ نِصْفَهُ (2) .
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا يَلِي:
1 - أَنَّ الآْيَةَ جَعَلَتْ إِبَاحَةَ هَذَا النِّكَاحِ لِمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ طَوْل حُرَّةٍ، وَلِمَنْ خَافَ الْعَنَتَ، فَدَلَّتْ بِمَفْهُومِهَا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ هَذَانِ الشَّرْطَانِ فِيهِ، فَلاَ يَكُونُ مُبَاحًا لَهُ.
2 - قَوْله تَعَالَى فِي آيَةٍ لاَحِقَةٍ مُشِيرًا إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ النِّكَاحِ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِْنْسَانُ ضَعِيفًا} (3) فَدَل عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ، وَالأَْصْل التَّحْرِيمُ.
__________
(1) سورة النساء / 25.
(2) تفسير القرطبي 5 / 136، 147، وفتح القدير 2 / 376.
(3) سورة النساء / 28.
فَأَمَّا إِنْ وُجِدَتِ الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فَإِنَّ نِكَاحَ الأَْمَةِ جَائِزٌ إِجْمَاعًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الآْيَةِ (1) .
شُرُوطُ إِبَاحَةِ نِكَاحِ الْحُرِّ لِلأَْمَةِ:
يُشْتَرَطُ لإِِبَاحَةِ نِكَاحِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ لِلأَْمَةِ مَا يَلِي:
الشَّرْطُ الأَْوَّل:
75 - أَنْ لاَ يَكُونَ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ بِهَا. فَإِنْ وُجِدَتْ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الأَْمَةِ؛ لأَِنَّ الْحُرَّةَ طَوْلٌ، وَفِي الْحَدِيثِ تُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الأَْمَةِ، وَلاَ تُنْكَحُ الأَْمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ. (2) قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا (3) " لَكِنْ قَدْ نُقِل فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ عَنْ مَالِكٍ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: اخْتَلَفَ قَوْل مَالِكٍ فِي الْحُرَّةِ أَهِيَ طَوْلٌ أَمْ لاَ، فَقَال فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَتِ الْحُرَّةُ بِطَوْلٍ تَمْنَعُ نِكَاحَ الأَْمَةِ إِذَا لَمْ يَجِدْ سَعَةً لأُِخْرَى وَخَافَ الْعَنَتَ، وَقَال فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحُرَّةَ بِمَثَابَةِ الطَّوْل. قَال الْقُرْطُبِيُّ: فَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّ مَنْ
__________
(1) المغني 6 / 597.
(2) حديث: " لا تنكح الأمة على الحرة، وتنكح الحرة على الأمة ". أخرجه البيهقي (7 / 175 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث جابر بن عبد الله موقوفًا عليه، وقال: " هذا إسناد صحيح ". وكذا صححه ابن حجر في التلخيص (3 / 171 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(3) المغني 6 / 597، وفتح القدير 2 / 376، 377، وروضة الطالبين 7 / 129.
الصفحة 50