كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 23)
قَال ابْنُ حَجَرٍ: أَمَّا لَوِ اسْتُعْمِل الْعَبْدُ عَلَى إِمَارَةِ بَلَدٍ مَثَلاً وَجَبَتْ طَاعَتُهُ.
وَحُمِل عَلَى ذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِل عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ. (1)
وَفُسِّرَ اسْتِعْمَال الْعَبْدِ فِي الْحَدِيثِ بِأَنْ يُجْعَل عَامِلاً فَيُؤَمَّرُ إِمَارَةً عَامَّةً عَلَى بَلَدٍ مَثَلاً، أَوْ يُوَلَّى فِيهَا وِلاَيَةً خَاصَّةً كَإِمَامَةِ الصَّلاَةِ، أَوْ جِبَايَةِ الْخَرَاجِ أَوْ مُبَاشَرَةِ الْحَرْبِ (2) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْعَبْدُ لاَ يَلِي أَمْرًا عَامًّا، إِلاَّ نِيَابَةً عَنِ الإِْمَامِ الأَْعْظَمِ فَلَهُ نَصْبُ الْقَاضِي نِيَابَةً عَنِ السُّلْطَانِ وَلَكِنْ لاَ يَقْضِي هُوَ (3) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يُوَلَّى تَقْرِيرَ الْفَيْءِ وَلاَ جِبَايَةَ أَمْوَالِهِ بَعْدَ تَقْرِيرِهَا.
وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَجُوزُ شَرْعًا أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا لِنَقْصِهِ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: الْعَبْدُ لاَ يَكُونُ قَاضِيًا، وَلاَ قَاسِمًا، وَلاَ مُقَوِّمًا، وَلاَ قَائِفًا وَلاَ مُتَرْجِمًا، وَلاَ كَاتِبَ حَاكِمٍ، وَلاَ أَمِينًا لِحَاكِمٍ،
__________
(1) حديث: " اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي ". أخرجه البخاري (الفتح 13 / 121 - ط السلفية) .
(2) فتح الباري 13 / 122 (ك الأحكام ب4: السمع والطاعة للإمام) .
(3) شرح الأشباه 2 / 153.
وَلاَ وَلِيًّا فِي نِكَاحٍ أَوْ قَوَدٍ، وَأَضَافَ ابْنُ نُجَيْمٍ: وَلاَ مُزَكِّيًا عَلاَنِيَةً، وَلاَ عَاشِرًا، وَأَضَافَ السُّيُوطِيُّ: وَلاَ خَارِصًا، وَلاَ يَكُونُ عَامِلاً فِي الزَّكَاةِ إِلاَّ إِذَا عَيَّنَ لَهُ الإِْمَامُ قَوْمًا يَأْخُذُ مِنْهُمْ قَدْرًا مُعَيَّنًا (1) .
شَهَادَةُ الرَّقِيقِ:
128 م - مِنْ شَرْطِ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، فَلاَ تُقْبَل شَهَادَةُ الْعَبْدِ. قَال عَمِيرَةُ الْبُرُلُّسِيُّ: لأَِنَّ الْمُخَاطَبَ بِالآْيَةِ (يَعْنِي آيَةَ الدَّيْنِ) الأَْحْرَارَ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ} لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (2) وَإِنَّمَا يُرْتَضَى الأَْحْرَارُ، قَال: وَأَيْضًا نُفُوذُ الْقَوْل عَلَى الْغَيْرِ نَوْعُ وِلاَيَةٍ. يَعْنِي وَالرَّقِيقُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَمَال ابْنُ الْهُمَامِ إِلَى قَبُول شَهَادَتِهِ لأَِنَّ عَدَمَ وِلاَيَتِهِ هُوَ لِحَقِّ الْمَوْلَى لاَ لِنَقْصٍ فِي الْعَبْدِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ جَائِزَةٌ عَلَى الأَْحْرَارِ وَالْعَبِيدِ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ قُدَامَةَ وَابْنُ الْهُمَامِ عَنْ أَنَسٍ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، إِلاَّ أَنَّ ابْنَ الْهُمَامِ قَال إِنَّ عَلِيًّا
__________
(1) شرح المنهاج وحاشية القليوبي 4 / 296، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 193، 195، وجواهر الإكليل 2 / 221، وشرح الأشباه 2 / 153، والمغني 9 / 39، والدر المختار وابن عابدين 4 / 299، وأدب القضاء لابن أبي الدم ص 21.
(2) سورة البقرة / 282.
الصفحة 81